بقلم: د/ محمد بركات
من علماء الأوقاف
الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: كثيرة هي الأخبار الموجعة، والحوادث المفجعة التي نستيقظ عليها كل يوم، بل ولا نبالغ في القول إن قلنا لم ترتبط وجودها ولا ذكرها بصباح أو مساء أو في غالب الأحيان و الأوقات .
بالرجوع إلي معاجم اللغة نجد تعريف للطفرة الاجتماعية: هي تغيُّر يطرأ على البنية الاجتماعيّة بشكل مفاجئ، من اليقين والمؤكد أن هناك شيئا ما ليس طبيعياً.
فمن المؤكد أن أي مجتمع بكوادره وعلماءه ومفكريه ومثقفيه حائط أمان لكل مجتمع في الداخل ، وحائط منع ضد أي فكر أو سلوك منحرف في الداخل والخارج، ماذا حدث وطرأ على مجتمعنا المعاصر منذ فترة.
العلم والثقافة ومعايير الحضارة وميادين الرقي تأخذ بيد الإنسان للأمام وليس للخلف، لم أقل تنته الجريمة فهي مع الإنسان منذ الخليقة، لكن وعلي الأقل إن لم تنته تقل ولا تصير أكثر وحشية وفظاظة كما هي في هذه الأيام.
ما بين القتل والسرقة والاغتصاب والاختلاس والتحرش وكلها سلوكيات في غاية الخطورة والإنحراف، نحن ننحدر ولا نتقدم ، الحضارة سلوكيات وأخلاق قبل أن تكون جدران ومؤسسات، فالإنسان قبل البنيان، والساجد قبل المساجد، ولزوال الدنيا كلها أهون عند الله من قتل نفس بغير حق، تعددت أسباب الجرائم والإنحرافات السلوكية والبشاعة والفظاظة واحدة.
وهو مؤشر خطير في حد ذاته.. زيادة المعدل العام والسريع للجريمة وانتشارها عبر وقت قصير وأماكن متقاربة، ويعزوا كثير من باحثي علم النفس والاجتماع زيادة المعدل في حدوث وانتشار الجريمة إلي عدة أسباب أهمها: أولا: ضعف وغياب في بعض الأحيان الوازع الديني وهو بدوره ا يعتبر من أهم الأسباب الرئيسة في انحراف السلوكيات والأخلاق والتصرفات المشينة التي تقع من جميع المنحرفين.
وقد أكدت عدة دراسات علي أن ضعف الوازع الديني كان سبب في ارتكاب كثير من الجرائم وذلك لأن وجود الوازع الديني يكون رادعاً للشخص من فعل الجريمة لأن هناك محاذير شرعية ( ثقافة الحلال والحرام) تحرم على الشخص الوقوع فيها فوجود الوازع الديني يكون حصنا منيعاً للشخص من الانحراف وسلوك طريق الجريمة أياً كان نوعها – بإذن الله – والعلاج لا يمكن أن يكون ناجعا إلا بتربية أولادنا على العقيدة الإسلامية ومراقبة الله والخوف من انتهاك حرمات حدوده وأوامره.
ثانيا: غياب وضعف وفي بعض الأحيان (انعدام) التربية السليمة الخالية من الإفراط والتفريط والشدة والتساهل والاهتمام بالأسرة من قبل الوالدين نفسيهما فنسبة كبيرة من المجرمين وبعد النظر لأحوال أسرهم وكيفية التربية نجد أنهم لم يأخذوا بمنهج الإسلام في التربية وبنظامه في التكوين والإعداد .
فوجدنا كيف يسيء بعض الآباء والأمهات إلى أولادهم حينما يقسون بالضرب أو بالحبس فيقسو عليهم في التربية أو يكلون تربيتهم إلى الخدم والخادمات (هذا في الدول التي بها نظام الخدمة في البيوت)، وما أحسن ما فعله الخليفة عمر رضي الله عنه حين علم أن أبا لم يقم بحق ولده عليه في انتقاء أمه وتحسين اسمه وتعليمه القرآن… فلم يلبث إلا أن صرخ في وجهه قائلاً: جئت إليّ تشكو عقوق ولدك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك، فجعل الأب حين أهمل تربية ولده هو المسئول الأول عن عقوقه وانحرافه.
ثالثاً: غياب ثقافة الاحترام وقد ربي نشء كبير منا قديماً علي ثقافة العيب والخطأ.
رابعاً: من الأسباب المهمة في زيادة معدل الجريمة وجود الفراغ فهو سبب رئيس في انحراف الأولاد،فالفراغ نعمة إن حسن استخدامها وتوظيفها علي الوجه الأمثل والأفضل.
خامساً: و من العوامل الكبيرة والمهمة التي تؤدي إلى الإنحراف والجرائم وجود رفقاء السوء والخلطة الفاسدة.
وقد ذكرت كثير من الدراسات ذلك في توصياتها فمعظم مرتكبي الجرائم والانحرافات يرتبطون بجماعات من الرفاق يميل أعضاؤها ويشيع عندهم ممارسة الأفعال الإجرامية المحرمة والعلاج يكون بمزيد من مراقبة الآباء والأمهات أولادهم مراقبة تامة خاصة في سن التمييز والمراهقة، ليعرفوا من يخالطون، ويصاحبون، وإلى أين يغدون ويروحون.
سادساً: من الأسباب المهمة في ذلك زيادة معدل الطلاق وهو سبب رئيس في انحراف الأولاد والكبار كذلك ، فبسبب تفرق الوالدين يكون الأب مشغولا ومنشغلا مع زوجته الثانيه وأولاده منها، والأم تكون قد تزوجت زوجا آخر فيصبح الأولاد ضحية هذا الشتات.
سابعاً: و من العوامل الأساسية والمهمة التي تؤدي إلى انحراف الولد احتداد النزاع واستمرار الشقاق بين الزوجين وكثرة المشاكل بينهما والعلاج يمكن في اختيار الزوجة على أساس الدين والصلاح والمعرفة.
ثامناً: زيادة معدل البطالة وانتشار حالة العوذ بين فئات مختلفة فهو سبب رئيس في انحراف الأولاد وقد انتشرت في مجتمعنا انتشارا كبيرا وعلاجها يكمن في تأمين سبل العمل للعاطلين سواء أكان ذلك في أجهزة الدولة أم في القطاع الخاص بعد تدريبهم وتعليمهم حتى يكونوا منتجين، أما إذا كانت البطالة بطالة كسل وخمول فينبغي سوقه بالقوة إلى العمل وإلزامه به إذا كان محتاجا للعمل، فإن كان سبب البطالة العجز أو الشيخوخة أو المرض فعلى المجتمع كل حسب قدرته أن يرعى حق هؤلاء ويؤمن لهم سبل العيش الأفضل.
تاسعا: ومن أسباب وقوع الجريمة السلبية المفرطة في التعامل مع كثير من الجرائم التي تقع كل يوم ، فرجل يسرق وبنت يتحرش بها وأخري تغتصب وآخرون…كل ذلك في حالة عدم تدخل من الغير ولو حتي مجرد التعبير بالرفض.
وأخيرا نحن في مجتمع واحد سفينته كلنا يركبها فنجاتها نجاة لنا جميعاً، وإلا فالأخري ونحن فيها وفي ذلك يصدق فينا حديث النبي ﷺ: عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا رواهُ البخاري.. جنبنا الله وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن.