بقلم: د. مصطفى النجار
ترث المرأة أكثر من الرجل فيما يزيد عن عشر حالات، وتتساوى معه فى حالات كثيرة، بل ترث ولايرث نظيرها من الرجال فى حالات أخرى، ولايعلم خصوم الوحى، ولايريدوا أن يعلموا غير أربع حالات يكون للذكر فيها مثل حظ الأنثيين، إن القرآن لم يجعل ميراث الذكر ضعف الأنثى قاعدة عامة فى كل الحالات، فلم يقل يوصيكم الله فى الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، إنما “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” (النساء -11) وليس للذكورة والأنوثة علاقة بالتفاوت فى أنصبة الوارثين ، وإلا لما وجدت حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل وحالات تتساوى معه وحالات ترث ولا يرث الرجل، لكن التفاوت فى العبء المالى الذى ألقاه الإسلام على كل من الذكر والأنثى هو السبب الرئيس فى ذلك، فالرجل مُكَلَّف بالإنفاق وحده على أسرته دون الأنثى، ورغم ذلك ففى هذه الحالات الأربع المحددة ترث المرأة نصف الرجل وتشارك فى الضعف الذى يرثة زوجها، دون تحميلها أى عبءٍ مالىٍ، ولم يرى خصوم الوحى فى القرآن غير هذه الحالات الأربع، وأدركوا فيها فقط أن الإسلام وَرَّثَها نصف الرجل، وتجاهلوا أنه أعفاها من النفقة على الأسرة وحَمَّلَها بالكامل للرجل وحده، ألا ساء ما يصنعون، وحَمَلَهُم على ذلك رغبتهم فى رمى الإسلام بما ليس فيه زوراً وبهتاناً، كمن يرى الورد بنظارة سوداء صبغته بالسواد، وما بإسلام العدل والنقاء سواد، إنما السواد بقلوب طمسها ران الذنوب والآثام، فأنى لها أن ترى عدل الإسلام وجلال أنواره “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” (المطففين- 14).
هؤلاء فى الغرب وأشباههم فى الشرق كيفوا أنفسهم لقبول كل ما يدعم أهوائهم، ويرفضون كل حقيقة تنقض تلك الأهواء و لوكانت كشمس الظهيرة يراها كل بصير، وهنا تسيطر النوازع والأهواء على النفس البشرية لمنع العقل من الإدراك، ذاك لون من خداع الذات مَنشَأُه الهوى وعدم الرغبة فى رؤية الحقيقة، ذلك تحديداً ما يسمية علماء النفس بالرأى الإنتقائى، أحد العوائق النفسية النكدة التى يعجز العقل البشرى فى ظلالها عن الإدراك السليم. إن فلسفة الميراث فى الإسلام يحكمها معايير ثلاث:أولها درجة القرابة، فكلما إقتربت الصلة بين الوارث والموروث زاد نصيب الوارث دون إعتبار لذكورة أو أنوثة، فالأنثى ترث فى أبيها أكثر مما يرثه عمها “الذكر”.
ثانيها موقع الجيل الوارث آباء أم أبناء، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمة وكلتاهما أنثى، فالأجيال التى تستقبل الحياة يزيد نصيبها عن التى تستدبرها، لزيادة حاجتها للمال، دون إعتبار لذكورة أوأنوثة.
ثالثها العبء المالى الذي يوجبة الإسلام على الوارث ، وذلك هو المعيار الوحيد الذى ينشأ عنه تفاوتا بين الذكر والأنثى، ليس لذكورة الذكر ولا لأنوثة الأنثى، وإنما لاختلاف العبء المالى.
فإذا تساوى الوارثون في درجة القرابة وموقع الجيل الوارث مثل أولاد المتوفي ذكورا وإناثا، يكون العبء المالى سبباً في تفاوت أنصبة الميراث، وليس للذكورة والأنوثة علاقة بذلك، كما يظن خصوم الوحى فى الغرب وتابعيهم فى الشرق وبعض الذين لايعلمون من المسلمين. اللهم علمنا ماينفعنا، و انفعنا بما علمتنا، واجعل لنا بذلك سبيلا لرضاك ورضوانك.