متابعة – عبد العزيز اغراز
قيمة حسن التدبير ودورها في نجاح كل مشروع إصلاحي يروم تحقيق النهضة والتطوير وبيان أهمية التربية عليها، وكذا إبراز محورية الانسان في مشاريع الإصلاح، محاور تناولها الدكتور منير القادري ضمن مداخلته السبت 11 من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية السبعين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية للطريقة القادرية البودشيشية.
أشار في مستهلها إلى أن الحديث عن قيمة حسن التدبير، يستمد أهميته من تداخله مع قيم أخرى كالتنظيم وحسن التخطيط و الإدارة، مذكرا بقوله تعالى « وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا » (سورة الفرقان 365)، وتابع أن الاعتدال وضبط الموارد والميزانيات من حسن التدبير، وأن من آثار سوء التدبير جل الكوارث والاشكالات التي نعيشها في عصرنا على مستوى الفرد والجماعة والأمة.
وأضاف أن حسن التدبير هو مفهوم إداري اجتماعي ديني بامتياز، وأنه يقصد به وضع كل شيء في المكان المناسب والوقت الملائم، وزاد أنه كما له ارتباط بالكيفية والكمية فإن له ارتباط بالتربية، إضافة الى ارتباطه بالشخصية وبتوازنها النفسي و قدرتها على الإدارة والتسيير، ليخلص إلى أنه يشكل منظومة متكاملة في تدبير الشأن العام للأمة و جلب النفع والخيرية لها.
وأكد أن حسن التدبير في الحياة ليس مسألة مزاجيّة أو خاضعة لأفهام الناس وأذواقهم المختلفة، وإنما هو علم له قواعده وأحكامه التي تساعد المرء على اتّخاذ القرارات الصائبة وتحديد الأولويّات بشكلٍ علميّ والعمل على تطبيقها بشكل دقيق، مستشهدا بمجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية منها قوله صلى الله عليه وسلم مخاطباً ابن مسعود : ” يا ابن مسعود، إذا عملتَ عمَلاً فاعملْ بعلمٍ وعقلٍ، وإيّاكَ وأنْ تعملَ عملاً بغيرِ تدبّرٍ وعلمٍ”.
ولفت الى أن التدبير يحتاج إلى أمور لا يُستغنى عنها، والتي تتمثل في الأخذ بالأسباب والعلم والتعقّل، مع طلب التوفيق والتوكل، موردا مقولة لابن عطاء الله السكندري رحمه الله ”أَرِحْ نَفْسَكَ مِنَ التَّدْبيرِ، فَما قامَ بِهِ غَيرُكَ عَنْكَ لا تَقُمْ بهِ لِنَفْسِكَ”.
وشدد على أهمية الجانب التربوي والأخلاقي في نجاح المشاريع الإصلاحية، مسلطا الضوء على المشروع الإصلاحي لسيدنا يوسف عليه السلام، الذي أنقذ الله به بلد مصر والأمم المحيطة بها من الأزمة، مشيرا الى أن قصته مليئة بالإشارات إلى واقع تخطيطي يتسم بحسن التدبير ويهتم بأدق الأساليب وأعمقها، سواء في جانب الاقتصاد أو السياسة أو التربية الأخلاقية أو غيرها، واستطرد موضحا أنه عليه السلام وضع الأهداف اللازمة لإنجاح خطته، عبر اعتماد التشغيل الكامل للأمة والبرمجة الكاملة للوقت، واستغلال طاقة الأفراد مع اختيار رجال أمناء لمساعدته بصدق و إخلاص في مهمته الاستثنائية؛ على اعتبار أن الأزمات والظروف الاستثنائية تحتاج إلى سلوك استثنائي، وأن سلوك الناس في الأزمات غير سلوكهم في الظروف العادية.
وأبرز اهتمامه عليه السلام في خطته بالعنصر البشري لعلمه أنه لا تنجح خطة ليس وراءها الإنسان الذي يطبق مقتضياتها ويُنَفِذُها، لافتا الى أن منهجه في التعامل مع الإنسان يظهر في ثلاثة أسس :
أولاً: في دعوته للسجينين للتوحيد عندما قال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 39، 40].
ثانيا: في توظيفه للأساس الأخلاقي من خلال قوله للملك: إني “حفيظ ” أي أمين ، موضحا أن الأمانة لا تتأتى إلا بمنظومة أخلاقية مترابطة متماسكة بين أفراد المجتمع، وأن هذه المنظومة لا تبنى إلا بواسطة برنامج تربوي، و يشرف عليها علماء ربانيون حكماء بأخلاق وهمم عالية مؤمنون بهذا المشروع الإصلاحي.
ثالثا: في قوله عليه السلام : {إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، مشيرا الى أن كلمة {عَلِيمٌ} تعني أنه يتقن فنون وعلوم الإدارة والتسيير التي تقود إلى نجاح خطته.
وفي ذات السياق أكد أن أحوال الناس وأوضاعهم الاجتماعية من الفساد والخير لا تتغير إلا إذا تغير محتوى الإنسان و باطنه، وما هو عليه من الحق أو الباطل، واستطرد موضحا اننا إذا طَوّرْنا النظام ومفاهيمه دون الإنسان ومفاهيمه سرعان ما يتسرب الفساد من الإنسان إلى النظام، فَيُقَوِّضُهُ أكثر مما يَتَسَرَبُ الإصلاح من النظام إلى الإنسان فيصلحه؛ وأردف أن الأنانية وحب الذات والجشع أقوى من نصوص القوانين والأنظمة ما لم تهذبها التربية الداخلية العميقة، والأخلاق الكريمة المبنية على معرفة الله وحبه والخوف منه، ليخلص الى أنه “لكي نُرْسِي للأمة أساسا صالحاً لابد أن نهيَّأ له إنسان صادقا”.
ونبه الى أن البرنامج الإصلاحي الشامل في وطننا يحتاج إلى تظافر الجهود من جميع مكونات المجتمع وكل من لهم قناعة بمشروع الإصلاح؛ وأن يساهموا كل من موقعه بدورهم الأخلاقي والمعنوي والروحي والتربوي، والثقافي في ارساء أسس النموذج التنموي الجديد.
ونوه القادري بالنجاح الباهر الذي حققه الاستحقاق الانتخابي في المغرب وأشاد بنسب المشاركة و التنظيم المحكم، حيث تقدم بالشكر لكل من ساهم من قريب أو بعيد في إنجاح هذا العرس الديمقراطي، لما فيه خير البلاد و العباد.
وأشار الى أن النهوض بقيم المواطنة الصادقة والعمل من أجل الصالح العام هي قواسم مشتركة بين المؤسسات العمومية ومنظمات المجتمع المدني وكل الغيورين على مستقبل البلاد من رجال وطنيين وطرق صوفية أصيلة و علماء ومفكرين ومثقفين و كل صادق مخلص ينشد الخير.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن “التصوف -مقام الإحسان-، استطاع عبر تاريخ المغرب التأثير في المجتمع من خلال سلوك رجالاته ومذهبهم الأخلاقي، واعطائهم القدوة من الناحية السلوكية الاخلاقية والاهتمام بالشأن الجماعي والمصلحة العامة للوطن، والاعتناء بشباب الوطن، لمواجهة التحديات الوطنية والظرفية العالمية وخدمة المشروع التنموي الجديد مجندين وراء قائد الأمة جلالة الملك محمد السادس نصره الله”.