بقلم: الشيخ سعد الفقي
كاتب وباحث
قالها لى أحد الأصدقاء… وكان يتبوأ منصباً رفيعاً.. ثم أطيح به وقد أعيد إليه اﻻعتبار فى الأيام الماضية.. فتبوأ مكانة ﻻ تضاهى.. وقد اتصلت به مهنئاً ومباركاً..أن من الله عليه بالعودة سالماً وغانماً كرئيس وليس مرؤوسا فشكرنى الرجل من قلبه.. ثم استطرد قائلاً: أنت رجل أصيل فقلت له ولماذا هذا المديح وإطراء؟ فقال: لقد كنا ومازلنا فى زمن الفرز.. كثيرون انصرفوا عنى أما أنت.. فقد كنت دائم السؤال.. حريص على متابعة أخبارى.. فقلت له هذا أمر طبيعى فقد عرفتك فى الله وما كان لله دام واتصل.. فإذا به يقول كثيرون كانوا يتخوفون السؤال عنى بل منهم من أدار وجهه عندما قابلته؟
انتهت المكالمة مع صديقى إﻻ أنه ترك فى نفسى وحلقى ألماً وغصة! فالصداقة ﻻ يمكن أن تكون حدودها المصالح وإن كانت مشتركة والعلاقات الإنسانية أكبر من أن تبعثرها الأيام إﻻ عند هؤﻻء الذين ينظرون تحت أقدامهم.. وهل يمكن أن تكون الصداقات هينة لدرجة أنها تكتب على أطراف الأظافر فتطير مع أول تقليم لها.. وهل صحيح أن متغيرات الحياة وتنامى ظاهرة «الأنا» ومن بعدى الطوفان قد همشت العلاقات التى هى أحد الثوابت الإنسانية..وهل صحيح أننا نعيش فى خريف دائم تتساقط فية المثل والقيم كما تتساقط أوراق الشجر؟
ومازالت كلمات صديقى العائد لتوه إلى مكانته.. تثير فى أنفى رائحة احتراق.. وقد حركت فى داخلى مواقف سبق وعشتها.. فى فترات متباينة وعدت بالذاكرة إلى الوراء عندما كان أحد أساتذتى يقول «كثيرون تضحى من أجلهم وهم على النقيض يرجون لك الشرور والآثام.. تقذفهم بالطيب ولا ترى منهم إلا الخبيث العفن» مواقف كثيرة يحتاج فيها الإنسان إلى المعونة فلا يجد من يؤازره.. عندها كأنك تعيش فى صحراء قاحلة لاحياة فيها..الصديق شىء مهم وضرورى فى حياة الإنسان.
ولنا فى صدر الإسلام الأول النماذج الرائعة، حيث كان المسلم يعطى لأخيه التمرة ليأكلها فيستشعر مذاقها فى فمه.. الصديق هو من صدقك لا من صدقك.. وهناك فروق.. فهل نطمع أن نرى أصدقاء على وتيرة الخليفة الراشد أبىبكر الصديق والذى كان نموذجاً حياً فى التضحية والإيثار والوقوف إلى جانب النبى صلى الله عليه وسلم.. عندما حاول المرجفون العادة عن النبى وقالوا له إن صاحبك محمد يزعم أنه أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كانت قولته والله لو أخبرنى أنه عرج به إلى السماء لصدقته. إنها الصداقة فى أبهى صورها.. ويا صديقى لا تحزن.. نحن مازلنا فى زمن الفرز.