الدكتور منير القادري يبسط أهمية خلق الأمانة في البناء الحضاري للأمممتابعة عبد العزيز اغراز – المغرب
خلق الأمانة ومكانته الرفيعة في الإسلام، وبيان أهمية التربية عليه، إضافة إلى إبراز دوره المحوري في البناء الحضاري للأمم ، وكذا علاقته بالتنمية، محاور تناولها الدكتور منير القادري خلال مداخلته، السبت 31 يوليوز 2021، في الليلة الرقمية الرابعة والستين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
استهلها بالإشارة إلى أن الإسلام أمر بخُلق الأمانة وبيّن أهميته وفضله وأثره في الحياة الدنيا والآخرة، مستدلا في سبيل ذلك بنصوص من الوحيين وأقوال الصحابة الكرام.
وأوضح القادري أن الأخلاق ثابتة لا تتغير ولا تتبدل لأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأن الأمانة تبقى أعظمها أهميةً وأثراً في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، وتابع أنه بفقدها فسدت الحياة، وساءت العلاقات بين البشر، وضعف الإنتاج ودُمرت دول ومجتمعات.
ونوه الى أن الإسلام نهى عن الخيانة ولو مع الخصم الخائن، مستشهدا بحديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم: “أدِّ الأمانةَ إلى منِ ائتمنَكَ ولا تَخُن من خانَكَ”.
وحذر رئيس مؤسسة الملتقى من أن الأمانة في عصرنا الحالي أصبحت عملة نادرة بسبب الغفلة عن الآخرة، وحب الدنيا والبعد عن الدين وتعاليمه، وكذا عدم إدراك خطورة ضياعها في حياة الناس.
وأبرز أن الأمانة خُلق شامل لكل مظاهر الحياة وقال “… فالشعب أمانة في يد زعمائه، والدين أمانة في يد العلماء، والعدل أمانة في يد القضاة…. والوطن أمانة في عنق الجميع قال تعالى : ( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) [البقرة: 283] “.
وأضاف مدير المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى الوظائف أمانات، وأنه نصح الضعفاء بعدم طلبها والتعرُّض لها، موردا قوله صلى الله عليه وسلم حين سأله أبو ذر -رضي الله عنه- أن يستعمِلَه فضرب بيده على منكبه وقال: “يا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمَانَةُ، وإنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلَّا مَن أَخَذَهَا بحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فِيهَا “.
وارتباطا بقرب الاستحقاقات الانتخابية حذر القادري من إطلاق الوعود والعهود والالتزامات من المترشحين دون الوفاء بها، مشيرا الى أن البعض منهم بعد أن ينال ثقة الناخبين ويتحصل على الكرسي يتنكر لما التزم به، ويستهين بمصائر العباد و الوطن.
وأكد أن أمانة تولية المسؤولية واجبة لمن هو أهل لها من أهل الخير والصلاح والاستقامة، ومن المشهود لهم بحسن السيرة والإخلاص في العمل، حتى تتهيأ فرص الإنتاج المثلى التي يستفيد منها الفرد والمجتمع.
وأضاف أن من أسباب التفريط في الأمانة ضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس في عالم يعيش أزمة في منظومة القيم، واستطرد موضحا “أزمة غابت فيها قيم العُمران الحضاري وتمكنت فيها النزعة الفردية وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة”، مرجعا سبب ذلك إلى غياب دور التربية الأخلاقية على القيم و مكارم الأخلاق.
وأشار الدكتور منير الى دور التصوف الذي هو مقام الإحسان في تأهيل الإنسان بالتشبع بهذه القيم و ممارستها خدمة للبلاد والعباد حتى تسير سلوكا وممارسة، وأضاف أن القيم الاخلاقية هي روح الأعمال والضامنة لنجاحها من أجل ازدهار الوطن وأمنه و أمانه.
وارتباطا بموضوع خلق الأمانة اختتم القادري مداخلته بإيراد مقتطف من الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الى الامة بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد :
” شعبي العزيز،
إن تمثيل المواطنين في مختلف المؤسسات والهيآت، أمانة جسيمة. فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحر ص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبا ر.
وكما أكدنا ذلك عدة مرات، فإن القيام بالمسؤولية، يتطلب من الجميع الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه منذ أن تولينا العرش.
ومفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية. وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها.
والمفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القا نون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا، عن طريق الانتخاب، وكسب ثقة المواطنين.
كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله : في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.
والفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع.
والواقع أنه لا يوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة.
وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات.
ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أ كثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القا نون.
فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين.
والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة”.