بقلم: أ.د/ جودة مبروك محمد
عميد كلية آداب بنى سويف السابق
في مشهد عظيم وعلى مدار سبع سنين خضرٍ سبقتها ثلاثون عجافًا، يتكرَّرالحَسْمُ والإصرار العسكري المصري ليعطينا دفقة أمل في مستقبل الأمن القومي المصري والعربي، لقد شاهدنا عن قرب الحدث الأجل في افتتاح ركن دفاعي للعسكرية المصرية، في توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي على وثيقة إنشاء قاعدة 3 يوليو، ولكن في هذه المرة وفي ارتفاع العلم شامخًا ارتفعت معه أعناقنا نحو السماء، فالخطة باتتْ تتجه إلى تأمين كل شبر من أرضنا العظيمة شمالا وجنوبًا، شرقًا وغَربًا، برًّا وبحرًا، داخل الحدود وخارجه، تبعًا لمتطلبات الأمن القومي.
تأتي قاعدة (3 يوليو) لتأمين الاتجاه الشمالي الغربي والملاحة وخطوط النقل البحرية وصون الأمن المصري في عرض البحر بإنشاء مجموعات قتالية من الوحدات البرية والغواصات والمجهود الجوي، إضافةً إلى التأمين الاجتماعي للأفراد في منع الهجرة والتسلل عبر مياه البحر المتوسط.
وإذا كان النشيد الحماسي غاب عن المشهد فقد طالعنا العميد ياسر وهبة بكلمته التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي وأشاد بها المغردون على مستوى الوطن العربي، فقد انتاب الجميع الفخر بقواته المسلحة على ما عبرت عنه الكلمة من طموح الرجال وعزيمتهم على تحقيق النصر في أي موقع على الأرض ، يقول: (أحيانا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، لكن على السفن، ألاَّ تأمن غضبة الرياح، ورياح جيش مصر رياح رشيدة، لا تثور ولا تنتفض، إلا إذا تعلق الأمر بالأمن القومي المصري والعربي، فإنها تتحول إلى أعاصير لا تُبقي ولا تذر، ورجال القوات المسلحة المصرية يدركون جيدا طبيعة مهامهم للحفاظ على هيبة وكرامة هذه الأمة، ويقولون لشعبهم: إن لم نكن قادرين على ذلك فباطن الأرض أولى من ظاهرها).
أكدت هذه المقولة على التحدي الذي هو عقيدة الجيش المصري، فلاحظنا فيه البلاغة التي عكست الوعي بمقدرات الجيش المصري، فما أجمله التعبير: (أحيانا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، لكن على السفن ألاَّ تأمن غضبة الرياح)، فتلك عبارة تلمس جانبًا مهمًّا، بل هي رسالة لها عنوان، وقد وصلت إليه، وأكَّده طبيعة الحدث، وأما عبارة (لا تبقي ولا تذر) فتناسب المعارك الحاسمة التي لا هوادة فيها ولا استئذان.
ويا لها من عظمة أداء بطل من قواتنا المسلحة، عندما يستطرد قائلا: (وسعيُ مصر الدائم لامتلاك القوة يأتي من رغبتها في تحقيق السلام، فلسنا دعاة حروب أو صراعات أو نزاعات ولكن في الوقت ذاته إذا فُرِضَ علينا القتالُ دفاعًا عن حقوقنا ودفاعًا عن شعبنا فنحن أهلُهُ، ودروس التاريخ تؤكِّد للقاصي والداني أن مصر -وإنْ طالَ صبرُها- لا يُمكنُ أبدا أن تفرِّط أبدًا في حقٍّ من حقوقِها، ستظلُّ مصر تَنبضُ بالحياة لترفعَ أمتُها العربيةُ رأسَها إلى عنان السماء).
فالملاحظ هي اللغة (التلغرافية) على هيئة جمل قصيرة ترعب المتربصين وتضعف إرادتهم وتلحق بهم الهزيمة المعنوية، وبذكاء المقاتل الذي له تاريخ يعطي المعادلة العسكرية في امتلاك القوة من أجل السلام، فلا اعتبار لشعب بدون جيش قادر على حمايته، وعبَّر بجملة (فنحن أهله) التي تحمل الدلالة المباشرة للمقدرة القتالية والظفر بالنصر، ويذكِّر عبر الجملة (دروس التاريخ الحربي لمصر) فمصر لا تفرط في حق من حقوقها، وتتوسط هذه الجملةُ جملةُ (وإن طال صبرُها)، وهي اعتراضيةٌ، وهي غاية في الروعة، يدرك منها السامع أن سكوتنا صبر له موعد ينتهي فيه، ثم يلخِّص دور مصر في علاقتها بالأمة العربية، فحياة مصر هي حياة للعروبة أجمع، وبها يرفع العرب رؤوسهم.
وهناك تلميح دون التصريح بأزمة ماء النيل، في استشهاده بقصيدة حافظ إبراهيم، الملقب بشاعر النيل، وأجاد في اختياره للأبيات التي تعبر عن الموقف والحدث المعاش، لكن الأداء الصوتي والإلقاء كان فيه ضغط على بعض الكلمات، حتى إنه في ذكره لحافظ إبراهيم ذكر (شاعر النييييل) وأطال في الياء، لإظهار الكلمة، كما أنه أهمل بعض الأبيات ولم يذكرها، بما يناسب السياق الخارجي وما تفرضه الظروف، يقول:
أنا إن قدَّر الإله ممـــــــاتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدِي
ما رمــاني رامٍ وراح سـليما مـن قــديم عناية الله جندِي
كـم بغـت دولـة عليّ وجارت ثم زالـــت وتلك عقبى التعدِّي
أمِـن العـدل أنهم يَرِدُونَ المَــــاءَ صَفْــوًا وأن يُكَــدَّرَ وِرْدِي
ثم يضيف مقسمًا من جهده: لا والله لا يُكَدَّر وِرْدي.
لقد توزعت أفكار هذه الأبيات على:
حياة مصر حياة للشرق وعزة لأبنائه.
المعتدي على مصر مهزوم جريح فمصر في عناية الله.
كثيرة هي الدول التي بغت وجارت على مصر، لكن سرعان ما زالت من على وجه الأرض عقابًا لها.
استنكار من أنهم يردون الماء عذبًا صافيًا، ويعكرون ماءنا.
نلاحظ دقة الاستشهاد، في قوة الرسالة التي يرسل بها إلى المتربصين بمصر.
فما أشبه الليلة بالبارحة، عندما يأتي السلاح ليكون على وضع الاستعداد دومًا، ومثله قول الشاعر العامي:
خلى السلاح صاحى صاحى صاحى
لو نامت الدنيا صاحي مع سلاحى
سلاحى فى إيديه نهار وليل صاحى
ينادى يا ثوار عدونا غدار
خلى السلاح السلاح صاحى,صاحى
إننا ننتظر من مؤسساتنا التعليمية، المدارس والجامعات، التركيز على تلك الأحداث الوطنية التي تزيد من عزيمة النشء ومنحه الثقة في قيادته، والفخر بتاريخ بلاده، عن طريق الندوات والأنشطة المختلفة.
وإلى المسؤولين عن وضع المناهج ورسم المقررات وضياغة المحتويات التعليمية أما آن الأوان لتدريس مادة الأمن القومي المصري، والتربية الوطنية.
وإلى المسؤولين عن الثقافة والفنون في مصر: أما آن الأوان لعودة الأناشيد الوطنية وإعادة توزيع ألحانها لتتناسب مع الأجيال المعاصرة، وأفلا يمكن لنقابة الموسيقيين ووزارة الثقافة المصرية من استحداث أغانٍ وطنية تناسب تلك الأحداث القومية.