كتب – محمد عبد الدايم الجندي :
نوقشت أمس رسالة ماجستير حصلت على تقدير ممتاز وهي تناقش الفكر التكفيري لداعش، وجاءت بعنوان: (تأويلات الفكر التكفيري للمصطلحات الشرعية وأثرها في العصر الحاضر .. دراسة تحليلية) إعداد الباحث أحمد نصر الدين محمد إبراهيم، إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور محمد محمد محمد إبراهيم كركور الأستاذ المساعد بقسم الأديان والمذاهب مشرفا، وفضيلة الأستاذ الدكتورأحمد حلمي سعيد قطب الأستاذ المساعد بقسم الأديان والمذاهب مشرفًا مشاركًا، وناقشها الأستاذ الدكتور ياسر عبد اللطيف أستاذ الأديان والمذاهب بالكلية، والأستاذ الدكتور صلاح العادلي أستاذ العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية أمين عام هيئة كبار العلماء السابق.
والرسالة بينت أن العالم الإسلامي اليوم يشهد صراعات دولية وإقليمية ومحلية جرها إلينا أصحاب الفكر التكفيري، مستخدمين في خطاباتهم مصطلحات عقائدية وفقهية وسياسية كرسها علماؤنا الأجلاء في كتبهم على مدار أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن، محاولين إسقاط تلك المصطلحات على واقعنا المعاصر، حيث ينعتون أعداءهم بالمرتدين والكافرين والملحدين، ويصفون بلدانهم بمصطلحات موجودة في كتب فقهاء الشريعة كدار الحرب، وعلى الجيوش التي تحميها جيوش الردة، وعلى قادة تلك البلدان الطواغيت، وغيرها من المصطلحات، وفي الوقت ذاته يطلقون على البلدان التي اغتصوبها وسيطروا عليها دار الإسلام، ودولة الحق، وعلى قائدهم خليفة المسلمين، محاولين بذلك جلب عدد كبير من الشعوب المقهورة إلى حظيرتهم، مما أدى إلى تشويه الصورة الراقية لتراثنا العظيم، الذي شهد له أعداؤه قبل محبيه بتقدمه ورقيّه، كما أتاح الفرصة لمناصبي أحكام الشريعة العداء ليطعنوا في الكتب التراثية وكاتبيها، من خلال الربط بين ما يفعله التكفيريون وما كرّسه العلماء في كتبهم بجامع المصطلح المستخدم في كليهما، وفي الوقت ذاته يتحاشى بعض من علماء الإسلام في العصر الحاضر من ذكر هذه المصطلحات في خطابهم الديني خوفًا من وصفهم بدعاة العنف والإرهاب، أو رميهم بمناصرة داعش.
ومن المعلوم لدى دارسي العلوم الشرعية أن علماءنا لمّا أصّلوا لهذه المصطلحات في كتبهم كتبوها بلغة عصرهم، ولفئة مخصوصة تعرف هذه اللغة بحكم إتقانهم لعلوم الآلة، ولكن لما ضعفت هذه الآلة العلمية وتطفل على كتب العلماء من ليسوا من أهل العلم ظهرت الفتن، وشاع التكفير والتبديع والتفسيق، وخرجت جماعات تتخذ من العنف وسيلة لحسم النزاعات السياسية، ويتوسدون بمصطلحات أهل العلم حتى راقت لمن ضعف سعيه وقل إيمانه، وقد علا صوت هؤلاء وذاع صيتهم بسبب الآلة الإعلامية الجبارة التي تقف خلفهم، بالإضافة إلى الدعم المادي والعسكري اللامتناهي،
وقد ساعد هذا الدعم في التغرير بكثير من الشباب الذين انضموا إلى داعش خاصة معتقدين أنهم على هدى، بسبب الخطاب الإعلامي الذي يتخلله كثير من المصطلحات الشرعية التي تأولها أصحاب الفكر التكفيري الداعشي تأويلًا في غير محله؛ لذلك جاءت هذه الدراسة تحت عنوان (تأويلات الفكر التكفيري للمصطلحات الشرعية وأثرها في العصر الحاضر) لتعرِّف المهتمين بهذا الشأن كيفية ضبط المصطلح العلمي الشرعي، وتبين الشروط اللازمة لمن يتعامل مع التراث العلمي الإسلامي، وخاصة مصطلحاته،
كما أن هذه التأويلات لهذه المصطلحات الشرعية من قِبَلِ حملة الفكر التكفيري لها دوافع دينية وسياسية واقتصادية تحتاج إلى من يجلّيها؛ لأنها قد أدت إلى كوراث دينية وسياسية واجتماعية حتى يتسنى للمختصين إيجاد علاج حقيقي، تساهم فيها كل المؤسسات التربوية والإعلامية والدينية، وهذه الدراسة تحاول أن تنير الدرب لمن أراد الله له الهداية والرشاد، وتبرّئ ساحة علمائنا مما نسب إليهم زورًا وبهتانًا.
وكان لأسباب اختيار الباحث لهذا الموضوع: 1- المنهجية التي يتعامل بها الدواعش مع التراث الإسلامي خاصة اصطلاحاته، واغترار كثير من الشباب بهذه المنهجية، مما يسلتزم التعرف على المنهجية المثلى في التعامل مع اصطلاحات العلماء، وبيان الشروط اللازمة للتعامل مع تراثنا الديني.
ثانيا – تمدد هذا الفكر بين كثير من الشباب خاصة في الدول التي تتمتع بنظام شمولي مستغلين الدين مطية للوصول إلى مآربهم، مما يحتم علينا معرفة الدوافع السياسية والدينية والاقتصادية وراء التأويل الداعشي للاصطلاح الشرعي.
ثالثا – استغلال التيار الحداثي والعلماني للعمليات التي تقوم بها داعش، والربط بينها وبين اصطلاحات كتب التراث وأقوال الأئمة، مما يحتم علينا توضيح الفارق بين الاستعمال الداعشي وبيان ما هو مكرس في كتابات العلماء من خلال المقارنة بين الاستعمالين.
رابعا – تدمير حملة الفكر التكفيري الداعشي للبلاد وإفساد المجمتعات وذلك بتأويل اصطلاحات العلماء، مما يستوجب بيان الآثار الدينية والاجتماعية والسياسية التي ترتبت على هذا التأويل؛ حتى لا يغتر الناس بها.
خامسا – ضعف المناهج الدينية الدراسية في المؤسسات التعليمية ساهمت في إنتاج جيل لا يميز بين الغث والسمين، مع وجود تيار يريد تنحية الدين جانبًا بحجة حماية النشء من العنف الديني، وذلك يدفعنا لبيان أن حماية النشء من الوقوع في براثن العنف يكون بغرس المعاني الصحيحة للدين في نفوس النشء لا تنحيته.
سادسا – المعالجة الإعلامية لقضايا العنف الديني التي تسلط الضوء على ما هو إسلامي فقط دون غيره، وهذا يساعد في زيادة نشاط الحركات التكفيرية، فكان لا بد من النص على ذلك حتى نحسن إدارة أدواتنا الإعلامية، ولا نكون عاملًا مساعدًا في زيادة هذا النشاط.
سابعا – خطورة الفتوى على المجتمعات مما يسترعى الانتباه للدور المجتمعي لكل أفراده في ضبط هذه المسألة، وإبراز الجهود التي تقوم بها المؤسسات الدينية في هذا الشأن.
ثامنا – بيان الوسائل المنهجية في مواجهة الفكر التكفيري بشكل عام والداعشي بشكل خاص حتى نستطيع إيقاف هذا الزحف الخطير على مجتمعاتنا، وإرشاد أبناء المجتمع بواجباتهم نحو دينهم ومجتمعهم؛ ليضطلع كل بدوره المنوط به.
وقد توصل الباحث لأبرزُ نتائجِ بحثه فى النقاط الآتية: 1- فسادُ المنهجيةِ التي يتعاملُ بها الفكرُ التكفيريُ بشكلٍ عامٍ والدواعشُ بشكل خاصٍ مع التراثِ الإسلامي، خاصةً اصطلاحاتِه، واستغلالُ التيارِ الحداثيِ والعلمانيِ للعملياتِ التي تقومُ بها داعشُ، والربطُ بينها وبين اصطلاحاتِ كتبِ التراثِ وأقوالِ الأئمةِ مجردُ وهمٍ لا وجودَ له بالواقعِ.
2 – يستغلُ الفكرُ التكفيريُ الداعشيُ الاصطلاحَ الشرعيَ مطيةً للوصولِ إلى مآربِه التي يرفضُها الدينُ وقد تسبب هذا الفكرُ في خرابِ العمران وإفسادِ المجتمعات.
-3 ينبغي لمن يتعاملُ مع كتبِ العلماءِ أن تكونَ لديه الملكةُ العلميةُ التي تؤهلُه لفهمِ المسطورِ في تلك الكتبِ، واقتحامُ الميدانُ العلميُ من غير المؤهلين علميًّا أدى إلى فسادٍ كبيرٍ خَلَّفَ نتائجَ كارثيةً من تكفيرٍ وتقتيلٍ وإفسادٍ في الأرضِ.
4- يهدِفُ الفكرُ التكفيريُ من وراءِ التأويلاتِ الفاسدةِ للاصطلاحِ الشرعيِ إلى جمعِ الناسِ تحتَ رايتهِ، وتحصيلِ الزعامةِ الدينيةِ، والحصولِ على أموالِ الناسِ.
5- حمايةُ النشءِ من الوقوعِ في براثنِ العنفِ والإرهابِ مسؤوليةٌ اجتماعيةٌ من الدرجةِ الأولى يجب أن تتكاتفَ فيه جميعُ المؤسساتِ.
6- التنظيماتُ التكفيريةُ صنيعةُ أجهزةِ مخابراتٍ عالميةٍ، تهدِفُ إلى عرقلِة تمددِ الإسلامِ في الغربِ، وتقويضِ المجتمعاتِ من الداخلِ، وخلقِ بذورِ الشقاقِ بينَ أبناءِ الأمةِ الواحدةِ.
7- التكنولوجيا الحديثةُ من أهم العواملِ التي ساهمت في انتشار الفكر التكفيري عالميًّا.
8- ضعفُ الخطابِ الدينيِ المعاصرِ وغيابُ دورِ المسجدِ في حياةِ المسلمين فتحَ المجالَ لغيرِ المتخصصين؛ ليزرعُوا أفكارَهم الخبيثةَ في عقولِ الناسِ.
9- يقومُ الأزهرُ الشريفُ بدورِ فعّالٍ على المستوى المحليِّ والدُّوليِّ لبيانِ صحيحِ الإسلامِ ودحضِ الأفكارِ التكفيرية، وبيانِ زيفها.