بقلم: أ.د/ مجدى عبدالغفار
الاستاذ بجامعة الازهر الشريف
من أوفق الخواطر مما وقفت عليه في صيد الخاطر لمن بقي له خاطر ونجاه الله من المخاطر بجبر الخواطر، اللهم أرنا الأشياء كما هي، قد جاء في الأثر: اللهم! أرنا الأشياء كما هي! وهذا كلام حسن غاية، وأكثر الناس لا يرون الأشياء بعينها، فإنهم يرون الفاني كأنه باق، ولا يكادون يتخايلون زوال ما هم فيه، وإن علموا ذلك؛ إلا أن عين الحس مشغولة بالنظر إلى الحاضر، ألا ترى زوال اللذة، وبقاء إثمها؟! ولو رأى اللص قطع يده، هان عنده المسروق.
فمن جمع الأموال، ولم ينفقها؛ فما رآها بعينها، إذ هي آلة لتحصيل الأغراض، لا تراد لذاتها، ومن رأى المعصية بعيني الشهوة، فما رآها، إذ فيها من العيوب ما شئت، ثم ثمرتها عقوبة آجلة، وفضيحة عاجلة.
وانظر إلى أكبر شهوات الحس، وهو الوطء! فإن الماء لا يحصل إلا بعد مطعم ومشرب، ومن تفكر في المطعم، نظر إلى حرث الأرض، وأنها تفتقر إلى بقر للحراثة عليهم بالمحراث، وهو حديد، ومعه خشب، وتتعلق به حبال، فمن تفكر في عمل الحبال، نظر في زرع القنب وتسريحه وفتله، والحديد وجلبه وضربه، والخشب ونباته ونجارته، ودوران الدولاب وعمله، ثم استحصاد الزرع، وحصده، وتذريته، وطحنه، وعجنه، وخبزه، ومن عمل التنور، وجلب الشوك، ومن هذا الجنس إذا نظر فيه كثر جدا، حتى قالوا: لا تنال لقمة؛ إلا وقد عمل فيها ثلاث مائة نفس أو نحوهم؛ فإذا أكل تلك اللقمة، فليفكر في خلق الأسنان لقطعها، والأضراس لطحنها، وعذوبة ماء الفم لخلطها، واللسان ليقلبها، وعضلات الفم يصعد منها شيء، ويبقى شيء، حتى يصلح البلع، ثم يتناولها المعي، فيوصلها إلى الكبد، فيقوم طابخا لها؛ فإذا صارت دما، نفت رسوبها إلى الطحال، ومائيتها إلى المثانة، واستخلصت من أخلص الدم وأصفاه للكبد والدماغ والقلب، وأخذت أجود ذلك، فحذرته إلى الأنثيين معدا لخلق آدمي.
فإذا تحركت نيران الشهوة، تدفقت تلك النطفة، وقد حكم الشرع بطهارتها، وحكم لها بطهارة الرحم، والمحل الذي يباشره الذكر، فيخلق منها الآدمي الموحد، فما جاء هذا الشخص إلا بأغلى الغلاء، وبعد عجائب أشرنا إليها، لا أنا عددناها!
أفمن فهم هذا يحسن منه أن يبدد تلك النطفة في حرام؟ أو أن يطأ في محل نجس فتضيع؟! فكم يتعلق بالزنا من محن لا يفي معشار عشرها بلذة لحظة! منها: هتك العرض بين الناس، وكشف العورات المحرمة، وخيانة الأخ المسلم في زوجته إن كانت متزوجة، وفضيحة المزني بها، وهي كأخت له أو بنت.
فإن علقت منه ولها زوج، ألحقته بذلك الزوج، وكان هذا الزاني سببا في ميراث من لا يستحق، ومنع من يستحق، ثم يتسلسل ذلك من ولد إلى ولد.
وأما سخط الحق سبحانه، فمعلوم: قال تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا} [الإسراء: 32] ، وقال صلى الله عليه وسلم: “ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله تعالى من نطفة وضعها رجل في رحم لا تحل له” .
ومن له فهم؛ فهو يعلم أن المراد من النطفة إيجاد الموحدين، ولولا تركيب الشهوة، لم يقع الوطء؛ لأنه التقاء عضوين غير مستحسنين، ولا صورتهما حسنة، ولا ريحهما طيب؛ وإنما الشهوة تغطي عين الناظر، ليحصل الولد أصلا، فهي عارض. فمن طلب الشهوة، ونسي جنايته بالزنا، فما رأى الأشياء على ما هي. وقس على هذا المطعم والمشرب، وجمع المال إلى غير ذلك.