بقلم: د. محمود عبدالعزيز يوسف
أ. الفقه المقارن والشريعة الاسلامية
هل الماء النازل من المرأة بسبب تحرك الشهوة يبطل صومها؟
الذي يخرج من الفرج عند تحرك الشهوة إما أن يكون منيًّا أو مذيًا؛ فإن كان الخارج من الفرج منيًّا وهو ماءٌ أصفر رقيق يخرج عند اشتداد الشهوة وبنـزوله تنقضي الشهوة، وأحست المرأة بقوة الشهوة واللذة وقت خروجه، وبالفتور بعده؛ فمن المقرر شرعًا أن إنزال المنيِّ باختيار الصائم ولو بلا جماع كالاستمناء باليد، أو باللمس والتقبيل ونحوهما يبطل الصيام؛ سواء في ذلك الرجل والمرأة، وذلك باتفاق الفقهاء.
وأن من فعل شيئًا من ذلك فأمنى وجب عليه القضاء فقط على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، ولا كفارة عليه، لكن يستغفر الله تعالى. ويرى المالكية على المشهور عندهم أنه يكون عليه القضاء والكفارة معًا إذا كان متعمدًا. أما خروج المني دون اختيار الصائم؛ كما لو احتلم أو أنزل بغير شهوة ولا مباشرة ولا فكر ولا نظر؛ فلا يبطل صومه باتفاق الفقهاء.
أما إن كان الخارج من الفرج مذيًا وهو ماءٌ أبيض رقيق لزج يخرج عند تحرك الشهوة؛ فمذهب الحنفية والشافعية أن خروج المذي وإن كان عن قُبلةٍ أو لمسٍ أو نحوهما ليس من مبطلات الصيام. ويرى المالكية أن الصائم إذا قبّل أو باشر أو فكّر أو نظر فأمذى لشيءٍ من ذلك وجب عليه القضاء؛ سواء أدام هذا الفعل حتى نزل بسببه المذي أو لا. وإن كان ما وجدته المرأة من بللٍ في ملابسها ماءً رقيقًا أصفرَ، وأحست بقوة الشهوة واللذة وقت خروجه، وبالفتور بعده؛ فهو منيٌّ؛ فيبطل صومها حينئذٍ ويجب عليها القضاء، أما إذا كان البلل ماءً أبيضَ رقيقًا؛ فهو مذيٌ لا يبطل به صومها على ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والشافعية.
واجب من أفطر خطأ قبل غروب الشمس
الليل إنما يبدأ بغروب الشمس، فعلى الصائم ألا يفطر إلا بعد أن يتحقق، أو يغلب على ظنه غروب الشمس. فإن تبين فعلا أنك كنت تفطرين قبل غروب الشمس، فإنه يجب عليك القضاء في قول جمهور أهل العلم، ويرى بعضهم أنه لا قضاء عليك، والقول بالقضاء هو الأحوط، والأبرأ للذمة، وهو المفتى به.
أحكام العشر الآواخر من رمضان
كيف كان حال النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الآواخر من رمضان؟
النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان، واعتكف العشر الوسطى كما في الصحيح من حديث أبي موسى وأرضاه، ونزل عليه الوحي، وذلك في آخر ليلة من ليالي العشر الوسطى، نزل عليه جبريل تعالى وقال: (يا محمد، إن الذي تطلبه أمامك) يعني ليلة القدر. فأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يعتكفوا معه العشر الأواخر، فدلّ هذا على مشروعيّة الاعتكاف، فثبت الاعتكاف بالقول من سنّة النّبي صلى الله عليه وسلم، وثبت بالفعل، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل الاعتكاف.
ما هو الاعتكاف؟
الاعتكاف هو لزوم الشيء، يقال: عَكَف على الشيء إذا لبث عنده ولزمه، وأما الاعتكاف في شريعة الله تعالى: فهو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل. وقرر العلماء رحمهم الله أن الاعتكاف الشرعي لا يكون إلا بلزوم المساجد، ومذهب جمهور العلماء رحمهم الله على أنه لا يصح في غير المسجد. وذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز للمرأة وحدها أن تعتكف في مسجد بيتها.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ لظاهر الكتاب في قوله سبحانه (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فدل على أن الاعتكاف لا يكون إلا في بيوت الله تعالى وهي المساجد.
والأصل في مشروعية الاعتكاف قوله عز وجل (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
قوله تعالى: “وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ” وفى سورة الحج: “وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع والسجود”.
وما حكم الاعتكاف؟
أجمع العلماء رحمهم الله على مشروعيّة الاعتكاف ، وأنه قربة لله تعالى ، وطاعة لله عز وجل ، ويتأكّد استحباب هذه العبادة العظيمة في العشر الأواخر من شهر رمضان ، وهي جائزة في سائر السَنّة ، يجوز للمسلم أن يعتكف في المسجد في أي ليلة ، وفي أي يوم ، وفي أي ساعة على الصحيح : أن الاعتكاف ليس له حد أدنى ؛ لعدم عدم ثبوت التحديد والتأقيت، ولذلك لا يتقيد بزمان ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله على مشروعية الاعتكاف في سائر السنة وليس مخصوصا في رمضان ، وأنه يجوز للمسلم أن يعتكف في أيّ يوم أو في أي ليلة ، ما عدا من يشترط الصوم ، فإنه يمنع إذا كان يوما محظورا على المسلم أن يصومه .
ويتأكّد الاستحباب في العشر الأواخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأواخر ، وقد ثبت عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى اعتكافه في رمضان في شوّال ، وهذا يدلّ على مشروعية الاعتكاف في سائر السَنّة ، لأنه أنزل ليالي في شوال منزلة الليالي من رمضان ، فدل هذا على صحة الاعتكاف في سائر السنة .
والإجماع منعقد على أن هذه العبادة والطاعة مما يتقرّب بها إلى الله تعالى إذا حفظ العبد حدودها، وقام بحقوقها، وأداها على وجهها؛ نال بركتها وخيرها، فعظم ثوابه ، وحسن جزاؤه عند الله عز وجل ، ولذلك قلّ أن ترى عينك رجلا قام بالاعتكاف على وجهه إلا وجدت أثره في نفسه، وفي قوله وعمله .
ومن الناس من يخرج من اعتكافه صالح الحال سائر السَنّة، ومن الناس من يخرج بالقليل والكثير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، نسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يجعل لنا من فضله أوفر الحظ والنصيب.
ومتى يبتدئ الاعتكاف؟
يدخل إذا غابت الشمس من يوم العشرين، قبل غروبها بيسير يدخل حتى تصبح ليلة الحادي والعشرين تامة كاملة.
ما الشروط التي ينبغي توفرها في المعتكف؟
أولا: يشترط الإسلام، فلا يصح الاعتكاف من كافر؛ لأن الله عز وجل أحبط الأعمال بالكفر، كما قال عز وجل: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) فأحبط الله الأعمال بالكفر، فلا يصح اعتكاف الكافر.
ثانيا: يشترط العقل، فلا يصح الاعتكاف من مجنون، ولا يصح الاعتكاف من سكران غائب العقل.
ثالثا: يشترط النية، فلا يصح الاعتكاف إلا بالنية، فلو أنه دخل المسجد، ومكث فيه ليالي العشر، ولم يستحضر أنه معتكف، ولم ينوِ الاعتكاف؛ فإنه يُعتبر متقربا لله تعالى، مطيعا، ممتثلا، ولكنه ليس بمعتكف؛ لأنه لم ينوِ الاعتكاف، فلا يصح الاعتكاف إلا بنيّة ؛ لأن النبّي صلى الله عليه وسلم قال : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى).
كذلك يشترط في المعتكف: أن يكون طاهرا من الحدث الأكبر من: الجنابة، والحيض، والنفاس ، فلا يصح الاعتكاف من الجُنُب ، وكذلك الحائض والنفساء ، ولكن المعتكف إذا أجنب خرج واغتسل ، ثم رجع إلى المسجد ، ولا يقطع ذلك اعتكافه ؛ لوجود العذر الشرعي . وكذلك المرأة إذا اعتكفت، ثم نزل عليها الحيض خرجت من مسجدها واعتكافها. كذلك أيضا يشترط في الاعتكاف: أن يكون في المسجد، فلا يصح الاعتكاف في غير المسجد؛ لأن الله تعالى خص الاعتكاف في المساجد؛ فقال سبحانه (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فدل على أن محل الاعتكاف إنما هو المسجد، فإذا استتمّت هذه الشروط؛ فإنه يحكم بصحة الاعتكاف واعتباره، واختلف في شرط الصوم فالصحيح عدم لزومه.
ما هي الطاعات المستحبة والمرغّب فيها لكي يجد المسلم أثر اعتكافه؟
الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله أي من أجل طاعة الله عز وجل، فلا يكون الاعتكاف اعتكافا شرعيا إلا إذا قصد صاحبه التقرب لله تعالى بالطاعات المختلفة من: الصلاة، والذكر، ومن التسبيح، والتحميد والتكبير، وتلاوة القرآن ، والاستغفار ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
ما حكم خروج المعتكف من معتكفه؟
المعتكف ليس له الخروج من معتكفه إلا لحاجة لا بد منها، جاء في المغني لابن قدامة الحنبلي: وجملة ذلك أن المعتكف ليس له الخروج من معتكفه، إلا لما لا بد له منه، قالت عائشة رضي الله عنها: السُنة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لا بد له منه رواه أبو داود، وقالت أيضا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان متفق عليه. وفي التلقين على المذهب المالكي: ولا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلا لأربعة أمور: أحدها: حاجة الإنسان. والثاني: طروء حيض أو نفاس. والثالث: شراء طعام إن اضطر إليه. والرابع: مرض لا يمكنه المقام معه، ويلزمه من حكم الاعتكاف في حال خروجه ما يلزمه في حال مقامه، فإذا زال عذره عاد إلى المسجد حين زواله. ولا يجوز له الخروج لغير ما ذكرناه من عيادة مريض، أو صلاة على جنازة وإن كانت لأهله، ولا غيرها من الصلوات ولا كتبه علماً أو غير ذلك.