بقلم: د. محمود عبدالعزيز يوسف
أ. الفقه المقارن والشريعة الاسلامية
ماذا يفعل مريض السكري في صيام رمضان؟
مرضى السكري هم أصحاب مرض مزمن، وهذا المرض المزمن له تأثير على بعض العبادات، لاسيما الصيام لأنه عبادة يمتنع فيها الصائم عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
ومريض السكر يحتاج إلى تناول كميات كبيرة من الماء على فترات متعددة، وكذلك يحتاج إلى تناول كمية من الأكل موزعة على وجبات صغيرة، والجفاف والجوع الشديد قد يسببان مضاعفات خطيرة لمريض السكر.
ومرضى السكر ينقسمون إلى ثلاث فئات حسب نوع العلاج الموصوف لهم:
الفئة الأولى: مرضى تسمح حالتهم بالسيطرة على المرض عن طريق تنظيم الوجبات الغذائية مع ممارسة الرياضة البدنية.
فهؤلاء عليهم أن يصوموا، ولا خوف عليهم من ذلك ، لأن مرضهم من النوع الخفيف الذي لا يؤثر عليه الصيام.
الفئة الثانية: وهم المرضى الموصوف لهم بعض العقاقير ، مع برنامج الغذاء المحدد ليقل مستوى السكر في الدم.
وهم نوعان:
1- نوع يأخذ عقاقير السكر مرة واحدة في اليوم ، فهذا لا إشكال في صومه ، لأنه من الممكن أن يأخذها قبل الفجر مباشرة.
2-ونوع يتناول الحبوب مرتين أو ثلاث مرات يوميا ، و في هذه الحالة إذا أمكنه أن يأخذ الحبوب قبل الفجر ، وبعد الإفطار ، دون ضرر يلحقه فعليه أن يصوم ، وإن كان يضر به تأخير الحبوب فعليه أن يأخذها ويترك الصوم.
الفئة الثالثة : وهم المرضى الذين يتعاطون حقن الأنسولين مرة أو مرتين أو أكثر في اليوم.
فإن كان يستغني بالحقن عن الحبوب ، ولا يلحقه مشقة بعد ذلك ، ولا يتأثر بصيامه ، فيصوم بقية يومه ، ولا يفطر بأخذه الحقنة.
وإن كان لا بد أن يتبع الحقنة بشرب ماء أو أكل طعام فعليه أن يفطر.
وحيث قلنا إن مريض السكر يفطر وأمكنه القضاء ، بعد رمضان لتحسن حالته وجب عليه القضاء.
وإن كان لا يمكنه القضاء لشدة المرض، ولكونه من النوع الذي يلزم معه أن يأخذ حبوبا في مواعيد محددة خلال النهار ، أو يلزم معه أن يشرب ماء أو يأكل طعاما ، فعليه والحالة هكذا أن يطعم عن كل يوم مسكينا لقوله تعالى: ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) [البقرة: 184]
ولمريض السكري أن يطاف به محمولا، وأن يوكل في الرمي عنه في الحج إذا كان يلحقه مشقة بذلك، لأنه من الثابت أن الجهد الشديد لمريض السكر يؤثر عليه، ويسبب مضاعفات المرض، والله جل وعلا يقول: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) [المائدة: 6]
ويقول تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج: 78] وله أن يصلي جالسا إذا كان لا يقوى على الصلاة قائما. وعلى المريض أن يتبع ما يقرره له الطبيب الثقة المسلم.
حكم صيام الحامل والمرضع؟
المرضع ومثلها الحامل لها حالان: إحداهما: أن تكون نشيطة قوية لا يلحقها مشقة ولا تأثير على جنينها، فهذه المرأة يجب عليها أن تصوم؛ لأنها لا عذر لها في ترك الصيام.
والحال الثانية: أن تكون الحامل غير متحملة للصيام: إما لثقل الحمل عليها ، أو لضعفها في جسمها ، أو لغير ذلك ، وفي هذه الحال تفطر، لاسيما إذا كان الضرر على جنينها ، فإنه قد يجب الفطر عليها حينئذ. وإذا أفطرت فإنها كغيرها ممن يفطر لعذر يجب عليها قضاء الصوم متى زال ذلك العذر عنها ، فإذا وضعت وجب عليها قضاء الصوم بعد أن تطهر من النفاس ، ولكن أحياناً يزول عذر الحمل ويلحقه عذر آخر وهو عذر الإرضاع ، وأن المرضع قد تحتاج إلى الأكل والشرب لاسيما في أيام الصيف الطويلة النهار ، الشديدة الحر، فإنها قد تحتاج إلى أن تفطر لتتمكن من تغذية ولدها بلبنها، وفي هذه الحال نقول لها أيضاً: أفطري فإذا زال عنك العذر فإنك تقضين ما فاتك من الصوم اهـ .
حكم من أفطر في نهار رمضان بغير عذر
لا شك أن الفطر في نهار رمضان بغير سبب شرعي كبيرة من الكبائر، وإثم عظيم يحرم الإقدام عليه، لأن تعمد الفطر انتهاك لحرمة هذا الوقت العظيم ومخالفة لأمر الله تعالى في قوله: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ (البقرة: 187).
قال الإمام الذهبي في الكبائر: وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ مُقَرَّرٌ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ أَنَّهُ شَرٌّ مِنْ الزَّانِي وَمُدْمِنِ الْخَمْرِ بَلْ يَشُكُّونَ فِي إسْلامِهِ وَيَظُنُّونَ بِهِ الزَّنْدَقَةَ وَالْإِلحَادَ. اهـ.
فالفطر في رمضان عمدا من كبائر الذنوب، وعلى من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله تعالى بالندم والعزم الصادق على عدم الإفطار مستقبلا بغير عذر شرعي، وعليه المبادرة بقضاء ذلك اليوم، وإن كان فطره بالجماع فإنه يلزمه مع القضاء الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً عن كل يوم أفسد صيامه بجماع، وإن كان فطره بسبب أكل أو شرب أو نحوهما فالراجح أنه لا تلزمه الكفارة الكبرى، وإنما تجب عليه التوبة والاستغفار، وقضاء ذلك اليوم فقط، أو مع الكفارة الصغرى إن لم يكن له عذر في تأخير القضاء، ولا يسقط القضاء ولا الكفارة لطول المدة.
أما حديث: (من أفطر يوماً من رمضان عامدًا لم يقضه صيام الدهر وإن صامه) هذا حديث ضعيف عند أهل العلم، ليس بصحيح، حديث مضطرب ليس بصحيح، والصواب أنه يقضي يومًا فقط، مع التوبة إلى الله. وقال القرطبي: حديث ضعيف لا يحتج بمثله وقد صحت أحاديث بخلافه، وقال الدميري: ضعيف وإن علقه البخاري وسكت عنه أبو داود، وممن جزم بضعفه البغوي وقال ابن حجر فيه اضطراب، وقال الذهبي في الكبائر هذا لم يثبت. اهـ. وضعفه ابن حزم والألباني.
ما حكم من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم؟
من أكل أو شرب ناسيًّا وهو صائم أتم صومه ولا شيء عليه، سواء كثر أكله وشربه أم قل، انفرد أو تعدد منه مرات، وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من أكل ناسيًّا وهو صائم فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه. رواه البخاري. ولا فرق في ذلك بين صيام الفرض والنفل لعموم الحديث السابق.
هل يُذكّر الذي يأكل أو يشرب ناسياً؟
مَن رأى صائماً يأكل أو يشرب في نهار رمضان، فإنه يجب عليه أن يُذكّره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سها في صلاته: “فإذا نسيت فذكروني”، والإنسان الناسي معذور لنسيانه، لكن الإنسان الذاكر الذي يعلم أن هذا الفعل مُبطل لصومه، ولم ينكر عليه يكون مقصراً، لأن هذا هو أخوه فيجب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. والحاصل أن مَن رأى صائماً يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسياً فإنه يذكره، وعلى الصائم أن يمتنع من الأكل فوراً، ولا يجوز له أن يتمادى في أكله أو شربه، بل لو كان في فمه ماء، أو شيء من طعام فإنه يجب عليه أن يلفظه، ولا يجوز له ابتلاعه بعد أن ذكر، أو ذكر أنه صائم.
حكم من أكل أو شرب يظن أن الفجر لم يطلع
المُفطرات التي تفطر الصائم، لا تفطره في ثلاث حالات: الأولى: إذا كان ناسياً. الثانية: إذا كان جاهلاً. الثالثة: إذا كان غير قاصد. فإذا نسي فأكل أو شرب فصومه تام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه”
وإذا أكل أو شرب يظن أن الفجر لم يطلع، أو يظن أن الشمس قد غربت، ثم تبين أن الأمر خلاف ظنه، فإن صومه صحيح لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: “أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس”، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء” ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، لأنه إذا أمرهم به صار من شريعة الله، وشريعة الله لابد أن تكون محفوظة بالغة إلى يوم القيامة.
وكذلك إذا لم يقصد فعل ما يفطر فإنه لا يفطر، كما لو تمضمض فنزل الماء إلى جوفه، فإنه لا يفطر بذلك لأنه غير قاصد، وكما لو احتلم وهو صائم فأنزل فإنه لا يفسد صومه؛ لأنه نائم غير قاصد، وقد قال الله عز وجل: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً).