– أوجب الإسلام الاستئذان قبل دخول البيوت والدول؛ لحماية الخصوصيات والعلاقات
– الإسلام سبق في إبداع “الإتيكيت” الاجتماعي قبل العالم بمئات السنين
– الإسلام يدعو إلى استئذان القلوب واستفتاحها قبل الدخول عليها
– الاستئذان يستغرق نواحي الحياة، حتى الانتقال من حارة لأخرى على الطريق يحتاج إلى استئذان بإشارة السيارة
كتب-أحمد نورالدين
أكد الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أنَّ الاستئذانَ من القيم الحضارية الرئيسة والمهمة، التي حثّ عليها الدين الحنيف؛ لحماية البيوت والأعراض والعلاقات، والتي تُعد سبقًا حضاريًّا، حيث سبق الإسلام في إبداع “الإتيكيت والبروتوكول” الأسري والاجتماعي قبل الغرب بمئات السنين، محذرًا من أن عدم الاستئذان يؤدي إلى إفشاء الأسرار، والولوج إلى الحرام والعياذ بالله؛ لذلك أفرد القرآن الكريم آيات لآداب الاستئذان، منها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وأكد أننا في حاجة ماسة إلى نشر ثقافة الاستئذان في كل مناحي الحياة، وتثقيف الجميع بهذه الثقافة الإسلامية الرشيدة، وبخاصة الأطفال وتعويدهم على ممارسة آداب الاستئذان بطريقة علمية عملية، بإدراجها ضمن المنظومة التعليمية، والتربوية، والاجتماعية، والإعلامية، خصوصًا الدراما.
ونبه في محاضرته عن: (آداب الاستئذان في الإسلام)، التي أذيعت مساء السبت 12 رمضان 1442هـ/ 24 إبريل 2021م في ملتقى الفكر الإسلامي الذي تقيمه وزارة الأوقاف، أن الإسلام أوجب على أتباعه مراعاة حرمات الآخرين، في النفس، والعرض، والمال، والعلاقات… وحرَّم تتبع عورات الناس؛ حفظًا للمجتمع والأفراد والأعراض؛ لذلك أوجب الله- تعالى- الاستئذان عند دخول بيوت الآخرين، وحرَّم دخولها إذا لم يكن فيها أحد، وأوجب الرجوع إذا لم يؤذن للداخل، وأكد أنه لا حرج من دخول الأماكن غير المسكونة مثل: الأسواق، والمحال، والفنادق، “والمولات”.. وغيرها، شريطة مراعاة نظمها ولوائحها، مشيرًا أن هناك ثلاث مراحل للاستئذان، وهي: الاستئناس أي اختيار الوقت المناسب – وإلقاء التحية والسلام – والاستئذان.
وأوضح د/ أحمد علي سليمان أن الاستئذان ليس قاصرًا على شخص دون آخر، بل يعمّ الجميع، سواء أكانوا من أهل البيت، أم الأقارب أم غير ذلك: فإذا كان المستأذِن من الأقارب أو من الزائرين، وجَب عليه الاستئذان، ولا يدخل حتَّى يُؤذَن له، فلا يدخل الشخص دارَ غيره، أو دارَ أخيه، أو أخته، أو عمِّه، أو خاله، أو ابنه، أو ابنته، دون استِئذانِ مَن في الدار، ويتخير الوقت المناسب، ويطرق الباب طرقًا خفيفًا بعيدًا عن الإزعاج، ويحرم على الشخص تخويف الآمنين (جَدًّا أو هَزلا)، أو أن يلتمس عثراتهم، كما يجب الابتعاد عن باب البيت، بحيث يقف عن يمينه أو شماله، ولا يسلط نظره عليه؛ حتى لا تقع عينه على شيء في الدار، وأن يترك لهم فرصةَ الاستِعداد لاستِقباله، فلا يطرق الباب ويدخل؛ وإنما يتريَّث حتى يَسمَع الإذن له بالدخول وإلا فليرجع، ويحرم نظر الشخص في بيت غيره إلا بإذنه، ويجب عليه إلقاء السلام والبشاشة عند الدخول وعند الانصراف، ويُسَلّمُ الصغيرُ على الكبيرِ، والماشي على القاعِد، والراكبُ على الماشي، والقليلُ على الكثيرِ، ويلزم الاستئذان عند الخروج كما علمنا النبي الكريم.
أما إذا كان الداخل من أهل البيت، وجَب عليه إعلام مَن في البيت بدخوله، بحركة تُشعِر أهله بقدومه، كأن يتَنحنَح، ثم يسلِّم، وإذا دخلَ على أهلِه ليلا يسَلَّم تسليمًا يُسْمعُ اليقظانَ ولا يُوقظ النائم، كما يجب الاستئذان على المحارم من النساء كالأم، والأخت…إلخ، فلا يدخل عليهن في أماكن راحتهن حتى يَستأذن ويُؤذَن له، وحتى دخول الحجرات داخل البيوت لا بُدَّ فيها من الإذن، ويقاس الرن على الهاتف بالطرق على الباب مراعاة للخصوصيات، والاستئذان واجب حتى عند الدخول على الكفيف؛ لأن من العورات ما يُدرَك بالسمع، فالحكمة من الاستئذان توفير الأمن، والسكينة، وحماية الخصوصيات، وعدم تكليف البيوت فوق طاقتها.
وقال: هناك بعض الحالات يباح فيها الدخول بدون إذن، كحالات الضرورة القصوى، والطوارئ؛ لإنقاذ الأرواح، وإطفاء الحرائق، والإمساك باللصوص…إلخ.
وأكد “سليمان” أن الإسلام لم يحصر الاستئذان في دخول البيوت فقط؛ بل شمل كثيرًا من مجالات الحياة، منها: الاستئذان عند عيادة المريض، والاستئذان وأنت سائق للانتقال من حارة إلى أخرى عن طريق إشارة السيارة، واستئذان الدول قبل دخولها بالحصول على تأشيرة الدخول، بل إنه أبدع في الدعوة إلى استئذان القلوب واستفتاحها قبل الدخول عليها، بانتقاء الكلمات الطيبة والألفاظ الجميلة، وانتقاء الوقت المناسب، والظرف المناسب؛ لتأليف القلوب، وإحداث الترابط والوئام بين أفراد المجتمع برباط الحب والود والإخاء.