بقلم: د. محمود عبدالعزيز يوسف
أ. الفقه المقارن والشريعة الاسلامية
ماذا على الزوج إذا سمع أذان الفجر وهو يأتي أهله؟
يجب الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات بطلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187 . فمن تيقن طلوع الفجر الصادق لزمه الإمساك، وإن كان في فمه طعام لزمه أن يلفظه.
ولو طلع الفجر، وهو في جماعه فنزع في الحال: صح صومه، وليس عليه شيء.
ولا يجوز له الاستمرار في الجماع بعد علمه بطلوع الفجر ، فإن استمرّ فقد بطل صومه بلا خلاف ، وعليه القضاء مع الكفارة .
وإن كانت امرأته مطاوِعة لزمها مثل ما يلزمه: القضاء مع الكفارة ، وإن أبت وأكرهها على ذلك ، فصومها صحيح ، ولا شيء عليها .
طلوع الفجر له علامات يعرف بها ، ويجب على المؤذنين أن يتحروا الوقت الصحيح .
وأكثر المؤذنين اليوم يعتمدون على الساعات والتقاويم، لا على رؤية الفجر ، ولا يتمكنون من رؤيته في المدن لامتلائها بالأضواء .
والأذان بناء على الساعات والتقاويم لا يعتبر يقينا في طلوع الفجر، بسبب الخلاف المشهور في دقة هذه التقاويم، والقول المعروف عن غير واحد من أهل العلم: أن الأذان، حسب التقويم، يقع قبل وقته ، على تفاوت في تقدير هذا الغلط ، بحسب اختلاف نظام التقاويم، ويعرف ذلك من محله.
وعليه؛ فمن أكل حينئذ أو جامع، ظانا بقاء الليل: فصومه صحيح، لأنه لم يتيقن طلوع الفجر ، لا سيما إذا كان ذلك بعيد الأذان بوقت يسير .
ولا شك أن الذي ينبغي على المسلم الناصح لنفسه: أن يحتاط لأمر عبادته، وألا يكون كالراعي حول الحمى، يوشك أن يقع فيه؛ عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ، وقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ.
ومقتضى ذلك: أن يمسك عن الطعام والشراب، والجماع، وسائر المفطرات: بمجرد سماع الأذان، حتى وإن ظن الخطأ في التقويم، لا سيما في صيام الفريضة، فإن تصحيح العبادة، والحرص على حفظها أمر عظيم، والخلاف في أمر التقاويم: أمر مشهور، وشائك أيضا؛ فما حاجة العبد إلى أن يوقع نفسه في تلك المضائق؛ بل يحتاط العاقل لصومه، فيمسك عند الأذان، ويحتاط لصلاته، فيؤخرها إلى أن يعلم طلوع الفجر الصادق.
– إذا كان المؤذنون في بلدكم يعتمدون في أذانهم على رؤية الفجر لا على الساعات والتقاويم، فيجب النزع عن الجماع عند سماع الأذان، فإن لم ينزع فورا من لحظته فقد فسد صومه وعليه القضاء والكفارة، وإن لم ينزل.
وإن نزع عن الجماع واستمر بعده في المباشرة بغير الفرج حتى أنزل، فقد فسد صومه ولزمه القضاء؛ لأنه أفسد صومه بالإنزال، ولا كفارة عليه؛ لأنها تجب في الجماع، وهو قد انتهى منه بسماع الأذان.
– وإذا كان المؤذنون يعتمدون على الساعات والتقاويم؛ واستمر في جماع امرأته بعد سماع الأذان مدة يسيرة، لم يتيقن فيها طلوع الفجر؛ فصومه صحيح إن شاء الله، والأولى أن يحتاط لصيامه.
ما حكم تعمد استنشاق الدخان والبخور في نهار رمضان هل يبطل الصوم؟
مجرد شم رائحة البخور لا يفسد الصوم، وكذلك لا يفسد الصوم بوصول دخان البخور إلى الحلق من غير اختيار، أمّا إذا تعمد الصائم استنشاق الدخان الذي يخرج من البخور ووصل إلى حلقه فقد فسد صومه وعليه القضاء.
تعمد استنشاق الدخان والبخور مفطر عند جماعة من الفقهاء، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وبه يفتي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، لأن البخور له أجزاء محسوسة مشاهدة، إذا استنشقه الإنسان تصاعدت داخل أنفه ثم إلى معدته.
وجاء في الموسوعة الفقهية ” ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لو أدخل الصائم إلى حلقه البخور، وشم رائحته: أفطر؛ لإمكان التحرز عنه. وإذا لم يصل إلى حلقه لا يفطر. أما لو شم هواء فيه رائحة الورد ونحوه مما لا جسم له: فلا يفطر عند الحنفية. وكرهه المالكية. كما يكره عند الشافعية شم الرياحين ونحوها نهارا للصائم، لأنه من الترفه، ولذلك يسن له تركه. وعند الحنابلة إذا كان الطيب مسحوقا كره شمه، لأنه لا يؤمن من شمه أن يجذبه نفسه للحلق، ولذلك لا يكره شم الورد والعنبر والمسك غير المسحوق” انتهى.
بل صرح البهوتي أيضا، وغيره من الحنابلة بأنه إذا تعمد إيصال الدخان إلى جوفه، أفطر. قال: “وإن دخل حلقه دخان من غير قصد لم يفطر لعدم القصد. علم منه: أن من ابتلع الدخان قصدا: فسد صومه” انتهى من “كشاف القناع” (3/370)، وينظر أيضا : “حاشية الروض” لابن قاسم (3/402) .
التطعيم ضد فيروس كورونا أثناء الصيام
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه لا يفطر الصائم بالتطعيم ضد فيروس كورونا ما دام أن اللقاح المستخدم في التطعيم يدخل بدنه عن طريق الجلد بالحقن، موضحاً أن الجلد ليس منفذًا للجوف، وإن كان الأولى تأخيره لما بعد الإفطار.
واللقاحات والتطعيمات بهذا الشكل ليست أكلًا ولا شربًا ولا هي في معناهما، كما أن تعاطيها يكون عن طريق الحَقن بالإبرة في الوريد أو العضل (العضد، أو الفخذ، أو رأس الألية) أو في أي موضعٍ مِن مواضعِ ظاهرِ البَدَنِ ليس من المنفذ الطبيعي المعتاد كالفم والأنف المفتوحان ظاهرًا؛ ومن ثمَّ؛ لا يفطر الصائم بها؛ لأنَّ شَرْطَ نَقْضِ الصوم أنْ يَصِلَ الداخلُ إلى الجوف مِن منفذٍ طَبَيعي مفتوحٍ ظاهر حِسًّا، لا من منفذ غير معتاد كالمسام والأوردة التي ليست مَنْفَذًا مُنفَتِحًا، لا عُرفًا ولا عادةً.
من هم الذين يباح لهم الفطر في رمضان؟
الذين يباح لهم الفطر في رمضان أقسام:
الأول: المريض الذي يتضرر بالصوم.
الثاني: المسافر. ودليلهما قوله تعالى: “فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر” الآية.
الثالث: الحائض والنفساء، والدليل ما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة”.
الرابع: الحامل والمرضع، واستدلوا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع” رواه أحمد والترمذي وأبو داود النسائي، وعليهما القضاء.
الخامس: العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: “وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين”، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكيناً”.
يجب الفطر على الحائض والنفساء لقوله صلى الله عليه وسلم: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم. متفق عليه.
ويجب الفطر في رمضان على من يحتاج الإفطار لإنقاذ معصوم من مهلكة كحريق وغرق ونحوه.
ويسنُّ الفطر لمسافر يباح له القصر لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصوم في السفر. متفق عليه. زاد النسائي: عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها.
ويسنُّ الفطر لمريض يخاف الضرر لقوله تعالى: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» [البقرة: 184].
ومتى تيقن المريض الهلاك أو الضر الشديد لعدم الفطر وجب الفطر لعموم قوله تعالى: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» [البقرة: 195].
ويباح الفطر لحامل ومرضع خافتا على أنفسهما أو على الولد وكره صومهما؛ لقوله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» [البقرة: 184].
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام، أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا. رواه أبوداود.
أما المسلم غير المكلف كالصبي والمجنون فلا يجب عليه الصوم، ويصح من الصبي دون المجنون.
والإغماء: أكثر أهل العلم على أن من أُغمي عليه يومًا كاملاً من رمضان فأكثر، أنه يقضي ما فاته من الصيام، ولو أغمي عليه الشهر كله، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، فنص على أن المريض يجب عليه القضاء، والإغماء نوع من المرض، وأما من نوى الصيام ثم أغمي عليه بعض النهار أو أكثره وأفاق في جزء منه فإن صيامه صحيح، سواء أكانت إفاقته من أول اليوم أم من آخِره.
– وإذا أفطر المسلم يوما من رمضان بغير عذر شرعي، وجب عليه أن يتوب إلى الله ويستغفره لأنه ارتكب معصية عظيمة، ويجب عليه مع ذلك قضاء ما أفطره فور انتهاء رمضان، بينما اختلف العلماء في وجوب الكفارة عليه مع القضاء.
– أما المفطر بعذر شرعي مبيح للفطر فإنه يجب عليه القضاء على التراخي إلى حلول رمضان الآخر، لكن يستحب له التعجيل بالقضاء حتى لا يطرأ له ما يمنعه من الصوم مجددا. ولا يشترط في قضاء رمضان التتابع، بل يصح متتابعا ومتفرقا.