بقلم: د. عزام أبوزيد من علماء الأوقاف
يتفاضل الناس في منازلهم في الجنة بأعمالهم، فمن عاش مجتهداً في طاعة الله ورسوله عشرين عاماً ثم مات على ما عاش عليه، لا تستوي منزلته في الجنة بمن عاش أربعين عاماً مجتهداً في طاعة الله ورسوله ثم مات على ما عاش عليه، وهكذا كلما زاد العمر مع الطاعة والعبادة لله ورسوله كلما ارتفعت المنزلة في الجنة، لذا يري الإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أن الإنسان لا يتمنى الموت أبداً ما دام له عمل صالح، حتى لو كان هذا العمل الصالح أن يقول بلسانه: لا إله إلا الله محمد رسول الله أي فقد القدرة على الإتيان بأي شيء غيرها، ويا سعادة من أطال الله في عمره ويستطيع الصيام والصلاة وأنواع أخرى من العبادات والطاعات فهي ترفع درجته في أعلي منازل الجنة ويسبق الشهداء في دخول الجنة، فهذان صديقان آمنا بالله ورسوله ، وكان أحدهما مجتهد في العبادة عن زمليه، فمات المجتهد شهيداً، وبعد سنة مات رفيق عمره إلا أن الذي مات بعد الشهيد بسنة دخل الجنة قبله وفي منزلة أعلي منه بسبب صيام رمضان وقيامه وصلاة سنة كاملة بعد صاحبه، نعم كان لصوم رمضان وقيامه نصيب في رفع منزلته في الجنة.
روي الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أنَّ رَجُلَيْنِ من بَلِيٍّ قَدِما على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكان إِسْلامُهُما جَمِيعًا ، فكانَ أحدُهُما أَشَدَّ اجْتِهادًا مِنَ الآخَرِ ، فَغَزَا المُجْتَهِدُ مِنْهُما فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بعدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ. قال طلحةُ: فَرأيْتُ في المنامِ بَيْنا أنا عندَ بابِ الجنةِ إذا أنا بِهما فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجنةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُما ثُمَّ خرجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رجعَ إِلَيَّ فقال ارْجِعْ فإنَّكَ لمْ يَأْنِ لكَ بَعْدُ . فَأصبحَ طلحةُ يُحَدِّثُ بهِ الناسَ فَعَجِبُوا لِذلكَ فَبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ فقال: (من أَيِّ ذلكَ تَعْجَبُونَ ؟.) فَقَالوا: يا رسولَ اللهِ هذا كان أَشَدَّ الرجلَيْنِ اجْتِهادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، ودخلَ هذا الآخِرُ الجنةَ قبلَهُ!، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (أَليسَ قد مَكَثَ هذا بعدَهُ سَنَةً ؟) قالوا: بلى. قال: (وأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصامَ وصلَّى كذا وكذا من سَجْدَةٍ في السَّنَةِ) قالوا: بلى، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (فما بينَهُما أَبْعَدُ مِمَّا بين السَّماءِ والأرضِ)، إياك عبد الله أن تُفرط في صيام رمضان وقيامه، اللهم ارزقنا العمر مع حُسن العمل مع حُسن الخاتمة.