بقلم: د. محمود عبدالعزيز يوسف
أ. الفقه المقارن والشريعة الاسلامية
هل يجوز للمرأة التي تطهر يومًا أو أكثر أثناء الحيض الصيامُ في هذه الفترة، أم تنتظر حتى ترى علامة الطهر؟
إن الحيض من موانع الصيام شرعًا، ويجب علىٰ المرأة إذا أتاها الحيض أن تفطر أيام حيضها، ثم تقضي ما فاتها من صيام بعد رمضان. وغالب النساء لها عادة منضبطة تعلم بها أيام حيضها، مع ملاحظة أنه لا يشترط نزولُ الدم طوال أيام الحيض، فقد ينزل الدم، ثم ينقطع ولكن يبقى أثره حتىٰ انتهاء مدة الحيض، وتحتسب مدة الحيض من بداية نزول الدم علىٰ المرأة حتىٰ تتيقن من انتهائه برؤية علامة الطهر.
وعليه؛ فما دامت المرأة في أيام حيضها فإنه لا يجوز لها الصيام في اليوم الذي ينقطع فيه الدم ثم يعاود النزول مرة أخرى؛ لأن تلك الأيام جميعها تحتسب من الحيض، وقد ذكرنا أنه يحرم على المرأة أن تصوم أيام حيضها.
وقد اختلف الفقهاء في أيام الطهر التي تتخلل أيام الحيض كمن تحيض يومين ثم تطهر تماما لمدة يومين كاملين ثم يأتيها الدم بنفس صفات دم الحيض الأول وأعراضه والراجح أن يومي النقاء طهر فلها أن تصلي فيهما وتصوم.
إذا طهرت المرأة بعد أذان الفجر مباشرة فهل لها أن تُمسك وتصوم هذا اليوم، ويُعتبر يومًا لها أم عليها قضاؤه؟
من شروط صحة الصوم خلوُّ المرأة من الحيض والنفاس، فلو نزل على المرأة دم الحيض في أي جزء من أجزاء النهار والذي يبدأ بطلوع الفجر وينتهي بأذان المغرب فلا يصح صومها؛ قال ابن قُدامة في المغني (3/152): (وَمَتَى وُجِدَ الْحَيْضُ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ فَسَدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، سَوَاءٌ وُجِدَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ). وبناءً عليه؛ فينبغي على الحائض التي طهُرت بعد الفجر في رمضان أن تُمسك بقية اليوم، وتقضي يومًا آخر مكانه بعد رمضان؛ مراعاةً لحرمة الشهر الكريم.
ما حكم استعمال المسواك وغسل الأسنان أثناء الصيام؟
يجوز للصائم استعمال المسواك ومعجون الأسنان أثناء الصوم، مع التحرز من بلع شيء منه، بل استعمال السواك سنة للصائم وغيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وأما السواك فجائز بلا نزاع، لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين، هما روايتان عن أحمد. ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك ” “الفتاوى الكبرى” (2/474). وله أن يتسوك بالنهار، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) متفق عليه، وهذا يشمل صلاة الظهر والعصر في حق الصائم وغيره، ولا نعلم دليلا صحيحا يمنع من ذلك.
وتنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه. ما دخل الفم ولم ينزل إلى الجوف لا يفطِّر، سواء كان طعاماً أو شراباً أو غيرهما، فمن تمضمض بالماء أو غيره لا يفطر إذا لم ينزل الماء إلى الجوف، وكذا من ذاق طعاماً بلسانه ولم ينزل إلى جوفه، ومعجون الأسنان إذا لم ينزل إلى الجوف لا يفطر هذا من ناحية نظريّة، لكن من الناحية العمليَّة نجد أن معجون الأسنان عندما تنظَّف به الأسنان يَسري طعمه مع الريق ويصل إلى الجوف، والصيام أمر مهمّ فكيف يخاطر به المسلم ويعَرِّضُه للفساد بمثل هذه الأمور، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المضمضة والاستنشاق للذي علّمه الوضوء: (إذا توضأت فأبلغ في الاستنشاق ما لم تكن صائما) رواه النسائي في السنن الكبرى، فنهاه عن المبالغة خوفاً من دخول الماء إلى الجوف مع أنه قد يبالغ ولا يدخل الماء إلى الجوف ولكنه الاحتياط، وهكذا يُقال في معجون الأسنان، الاحتياط يقتضي أن يتركه الصائم ومن استعمله ولم ينزل شيء منه إلى الجوف لا يفطر.
كيف يتم تعويد الأطفال على الصوم؟
الابن في عمر تسع سنوات ليس من المكلفين شرعاً بالصيام؛ لعدم بلوغه، ولكنَّ الله تعالى كلَّف الوالدين بتربية أولادهم على العبادات ، فأمرهم الله تعالى بتعليمهم الصلاة وهم أبناء سبع سنين ، وضربهم عليها وهم أبناء عشر ، كما كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يصوِّمون أولادهم في صغرهم تعويداً لهم على هذه الطاعة العظيمة ، وكل ذلك يدل على عظيم الاهتمام بالذرية لتنشئتها على خير ما يكون من الصفات ، والأفعال .
أما بخصوص وسائل تعويد الصبيان على الصيام: فينتظم في أمور، منها:
1- تحديثهم بفضائل الصيام وأنه سبب مهم من أسباب دخول الجنة، وأن في الجنة باباً يسمى الريان يدخل منه الصائمون.
2- التعويد المسبق على الصيام، كصيام بضع أيام من شهر شعبان؛ حتى لا يفاجئهم الصوم في رمضان.
3- صيام بعض النهار ، وتزاد المدة شيئاً فشيئاً .
4- تأخير السحور إلى آخر الليل ، ففي ذلك إعانة لهم على صيام النهار .
5- تشجيعهم على الصيام ببذل جوائز تُدفع لهم كل يوم ، أو كل أسبوع .
6- الثناء عليهم أمام الأسرة عند الإفطار ، وعند السحور ، فمن شأن ذلك أن يرفع معنوياتهم.
7- بذل روح التنافس لمن عنده أكثر من طفل ، مع ضرورة عدم تأنيب المتخلف .
8- إلهاء من يجوع منهم بالنوم ، أو بألعاب مباحة ليس فيها بذل جهد ، كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع صبيانهم ، وهناك برامج أطفال مناسبة ، وأفلام كرتونية محافظة في القنوات الإسلامية الموثوقة ، يمكن إشغالهم بها .
9- يفضَّل أن يأخذ الأب ابنه وخاصة بعد العصر للمسجد لشهود الصلاة، وحضور الدروس، والبقاء في المسجد لقراءة القرآن، وذكر الله تعالى.
10- تخصيص الزيارات النهارية، والليلية، لأسر يصوم أولادهم الصغار؛ تشجيعاً لهم على الاستمرار في الصيام.
11- مكافأتهم برحلات مباحة بعد الإفطار، أو صنع ما تشتهيه نفوسهم من الأطعمة والحلويات، والفواكه، والعصائر.
وننبه إلى أنه إذا بلغ الجهد من الطفل مبلغه أن لا يصرَّ عليه إكمال الصوم؛ حتى لا يتسبب ذلك في بغضه للعبادة، أو يتسبب له في الكذب، أو في مضاعفات مرضية، وهو ليس من المكلفين، فينبغي التنبه لهذا، وعدم التشدد في أمره بالصيام.