استغلالا لجذوة الإيمان المُتقدة فى قلوب المسلمين فى شهر رمضان، بعدما خالطت آيُ القرآن – الذى ختمه المسلمون فيه أكثر من مرة – بشاشة القلوب، طافت أسرابُ المُتسولين شوارع المسلمين وديارهم طلبا للمساعدة والعون.
وحتى تنطلى حيلتهم، وتخفى على الناس خديعتهم، تفننوا فى استدرار عطف المسلمين،
فارتدوا ملابس رثة، وخرقا بالية تمويها بشدة الفقر ومدى العوز، ومنهم من عصّب عينيه وربط يديه ورجليه إيهاما بالعجز والعمى.
وبتحرى أخبار هؤلاء، يثبُت خُبث المؤامرة التى حاكوها لاستنزاف أموال الناس، والحصول على المكسب السريع دون عناء العمل والكسب من كد اليدين.
والمدهش أن كثيرا من هؤلاء الشحّاذين، الذين يمرون على البيوت ( كعب داير)، يكنزون أموالا طائلة، ويملكون عقارات،
إذ إن حصيلة الواحد منهم جراء التسكع فى الشوارع، أو الوقوف أمام المساجد والمحال الكبرى والأسواق تتجاوز مئات الجنيهات فى اليوم الواحد !
والأدهى أن بعضا من هؤلاء الذين يتفننون فى ابتزاز أموال الشعب، يعملون لحساب عصابات كبرى، أو فئات مُبتزة، أو جهات عاطلة، تريد المساس بأمن هذا البلد واستقراره، وتتطلع إلى تشويه صورته أمام المجتمعات الأخرى.
النماذجُ كثيرة والحالات عديدة، فكثيرا ما تُشاهد امرأة تخرج عليك وأنت تسير فى الطريق تغذ فى السير من أجل اللحاق بالعمل، أو وسيلة المواصلات أو إنجاز مصلحة، زاعمة أن ابنتها أو ابنها مريض، ويحتاج إلى علاج قيمته آلاف الجنيهات، أو دواء لا تملك قيمته،
و ربما يستوقفك رجلٌ ضخم الجثة، ضاعت من وجهه حُمرة الخجل، لا يحول بينه وبين العمل سوى البلادة مُدعيا أنه فقد حافظته وبحاجة إلى أجرة الطريق، ويا حبذا لو زدت فى العطاء لزوم الطعام والشراب الذى يُخفف عنه وعثاء السفر.
ومن أحدث لقطات ابتزاز الناس أن يطلب بعض المتسولين منك مبلغا ماليا كبيرا بحجة أنه تعرض لضائقة مالية أو أنه مُسافر انقطعت به السبل وفقد ماله، ويخلف أيمانا مغلظة بأنه سيرد إليك مالك بمجرد وصوله لأهله سالما.
والحقيقة أن هذه المشاهد التى كثرت فى شوارعنا فزادتها قُبحا، تسببت فى حرمان المُحتاجين الحقيقيين الذين لا يسألون الناس إلحافا،
فترتب أن زاد الفقيرُ فقرا، فى حين أضحى الفقير المُخادع من ذوى الثراء والأملاك.
والمتأمل للشرع يجد أنه حذر من التسول، وحض على العمل الذى يحفظ ماء الوجه، فأخبر نبيُنا فى حديثه الصحيح أنه خيرٌ للفقير من أن يسأل الناس، الذين ربما أعطوه أو منعوه، أن يذهب للجبل بحبله فيجمع حزمة من حطب، ويحملها على ظهره ثم يأتى إلى السوق ليبيعها.
لهذا لزاما على المؤسسات الخيرية، أن تعمل حصرا شاملا للفقراء والمحتاجين، وأن يتبرع ذوو اليسار لتلك المؤسسات الأعلم بالمحتاجين، وأن تُسن قوانين تحارب التسول وتُجرم ارتكابه، كما يجب أن يشن الإعلامُ حملات ضارية لمحاربة تلك الظاهرة، التى صارت خطرا يهدد أمننا ويبتز أموالنا.