بقلم: د. محمود عبدالعزيز يوسف
أ. الفقه المقارن والشريعة الاسلامية
شخص نائم في نهار رمضان فوجد نفسه محتلم أثناء نومه فهل يبطل صومه؟
إنَّ الاحتلام للصائم، لا يؤثر صحة صيامه، لأنه ليس مكلفًا بتَجَنُّب الاحتلام أثناء النوم، وقد رُفِعَ عن النائمِ القلمُ حتى يستيقظَ، ومِن المعلوم أن الله تعالى لا يُكلِّف الإنسان ولا يؤاخذُهُ إلا بما يُطِيقه؛ كما قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286].
وعن عائشة رضي الله عنها: “أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني أُصْبِحُ جُنُبًا، وأنا أُريد الصيامَ”. فقال صلى الله عليه وسلم: «وأنا أُصْبُح جُنُبًا، وأنا أريد الصيام؛ فَأَغْتَسلُ وأصومُ» رواه مسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “مَنِ احتلم بغير اختياره كالنائم لم يُفطِر باتفاق الناس. وأمَّا مَن استمنى فأَنْزَلَ فإنه يُفطِر”. اهـ
وضابط الاحتلام هو وجود البلل بعد الاستيقاظ، فمن وجد الماء، وجب عليه أن يغتسل؛ والضابط في الاحتلام ليس مجرد رؤية الجماع، وإنما لا بد من رؤية المني، أو البلل، فمن احتلم ولم يجد منيًّا، فلا غُسْلَ عليها.
قال ابن المنذر: “أجمع على هذا كلُّ من أحفظ عنه من أهل العلم”. وكذلك من استيقظ وَوَجَد منيًّا أو بللًا، ولم يَذْكُرِ احتلامًا، فيجب عليكِ الغُسْلُ أيضًا، سواء انضم إلى ذلك ظن الشهوة أم لا؛ لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر الاحتلام، قال: «يغتسل»، وعن الرجل يرى أنه احتلم، ولا يجد البلل، قال: «لا غُسْلَ عليه»؛ رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني.
وعليه فالواجب لمن احتلم في نهار رمضان أن يتم صومه، وأن يغتسل من أجل الصلاة، أن تيقن من رؤية المني.
ما الحكم لو أذن الفجر وشخص على جنابة ثم نوى الصيام وهو جنب فهل يصح صومه؟
إذا طلع الفجر على من عليه جنابة وهو يريد الصوم فليغتسل وليتمَّ صومه، ولا شيء عليه: لا قضاء، ولا غيره؛ لما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم.
امرأة أصبحت حائض ثم أصرت على استكمال صيامها فهل هي آثمة؟
المرأة إذا حاضت أو نفست أثناء الصيام وجب عليها أن تفطر، وعليها القضاء، حتىٰ ولو رأت الدم قبيل المغرب بدقائق قليلة؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ» أخرجه مسلم.
هل على المرأة إثمٌ إذا صامت حياءً من أهلها وعليها الدورة الشهرية؟
صيام المرأة حياءً من أهلها وهي حائض باطل؛ لأن من شروط صحة الصيام خلوها من الحيض والنفاس، وهي آثمة في ذلك. فعلى المرأة التي فاجأها العذرُ الشرعي أن تفطر، وإذا كانت تستحيي من الأكل أمام أهلها فلتأكل مستترة وهذا أفضل لها. لكن المهم أن تتم يومها مفطرة.
كيف تستثمر المرأة المسلمة شهر رمضان المبارك في طاعة الله؟
إن شهر رمضان شهر مبارك ، فمن الأولى للمرأة المسلمة أن تبدأ باستقبال شهر رمضان وذلك بالاستعداد الجيد الذي يتمثل في المحافظة على الفرائض، والإكثار من السنن، والأعمال الصالحات، والصدقات، وكثرة الأذكار، والدعاء، كما كان يفعل النبي ﷺ وأصحابه الكرام؛ كي نجعل النفس والبدن يستعدان لاستقبال الشهر المبارك بعزيمة وانشراح صدر، كما يمكن للمرأة أن تكون ذا أثر طيب في محيطها الصغير أو الكبير كمثال يُحتذى به، وقدوة لاستقبال شهر رمضان المبارك، فيمكن لها أن تقوم في بيتها بإعداد ما يمكن أن يطلق عليه (جدول أعمال إيجابية في الشهر المبارك) ويمكن أن يكون كالتالي:
- الاهتمام بشئون بيتها؛ ففي هذا الدافع لهم للاستعداد لاستقبال هذا الشهر الكريم بجد ونشاط.
- عمل ورد يومي لأفراد الأسرة في أوقات محددة لقراءة القرآن الكريم.
- عمل وقت للذكر والمناقشات الإيجابية فيما يتعلق بشهر رمضان وفضائله.
- تجمع نساء المنـزل والفتيات الصغيرات ليصلين الفرائض في جماعة وكذلك التراويح.
- الإكثار من الصدقة، والحث عليها، ليس بالقول فقط، بل بكونها مبادِرة بفعلها.
- صلة الأرحام، وعيادة المرضى إذا لم يكُن هناك مانع، وقضاء حوائج الناس قدر الاستطاعة.
- تشجيع أفراد الأسرة من الرجال على الصلاة في المسجد، وكذلك الأولاد الصغار.
- الحرص على الاعتدال في الطعام والشراب، وعدم الإسراف فيهما.
- عدم إهدار الوقت في مشاهدة التلفاز، وخاصة ما يضيع الوقت بغير فائدة.
ما هي الأحوال الخاصة التي تعرض للمرأة أثناء الصيام؟
إن للمرأة المسلمة أحكامًا للصيام تختص بها، منها:
1- الحيض والنفاس: فالمرأة إذا حاضت أو نفست أثناء الصيام وجب عليها أن تفطر، وعليها القضاء، حتىٰ ولو رأت الدم قبيل المغرب بدقائق قليلة؛ فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» أخرجه مسلم.
2- الحمل والرضاع: فقد رخص الله تعالى للحامل والمرضع الفطر إن خافتا علىٰ أنفسهما أن يلحقهما ضرر أو مشقة غيرُ معتادة بسبب الامتناع عن الطعام والشراب، أو ينصح الطبيب بعدم الصيام، فلهما الفطر وعليهما القضاء بدون فدية.
أما إن كان الخوف على الجنين أو على المرضَع، فلهما الفطر، وعليهما القضاء، ولا فدية عليهما؛ كما ذهب إلى ذلك الحنفية، والشافعية في قول، والحنابلة في رواية.
٣- تناول الحبوب لرفع دم الحيض أثناء رمضان: فيجوز لها ذلك ما لم يكن هناك ضرر عليها؛ حيث لا ضرر ولا ضرار، ويكون ذلك باستشارة طبيب ثقة مختص، وبإذن من الزوج.
٤- تذوق الطعام أثناء الصيام: فلا بأس بتذوق الطعام أثناء الصيام، بشرط الحرص علىٰ عدم وصوله للجوف، ومجه بعد ذلك، فإن ابتلعت منه شيئًا متعمدة فسد الصوم، وعليها القضاء.
متى يكون الصيام واجبًا على الفتاة؟
يجب الصيام على الفتاة البالغة العاقلة المسلمة؛ لقوله ﷺ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّىٰ يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ».
فمتى بلغت الفتاةُ وجب عليها الصيام، ولكن من الضروري تعويد وتدريب الفتيات علىٰ الصيام بصورة تدريجية منذ صغرهن حتىٰ يسهل عليهن الصيام متى بلغن؛ للحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَىٰ قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ». قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّىٰ يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ. متفقٌ عليهِ.
هل ارتداء الزوجة الملابس القصيرة في نهار رمضان أمام الزوج يؤثر على الصيام؟
الأصل أنه يجوز للمرأة أن ترتدي كل ما تريد من الثياب، طالما كان ذلك في بيتها أو بهدف التزين لزوجها، ولا يطّلع عليها أحدٌ غيره، إلا أنه في شهر رمضان المبارك ينبغي على الزوجين أن يعاون كل منهما الآخر على العبادة والالتزام بها، لا الخروج عن مقتضياتها؛ ومن الناحية الشرعية فإن ارتداء هذه الملابس لا يؤثر على صحة صيام المرأة بحال، إلا أنه قد يكون لتلك الملابس تبعاتٌ أخرى؛ فقد تكون مما يثير شهوة الزوج تجاه زوجته فيقعا في المحظور بسبب ذلك.. وبناءً عليه؛ فإن كان الزوج ممن يملك زمام نفسه مع مثل هذه الملابس فلا حرج في ارتدائها أمامه، وإلا فالأولى عدم ارتدائها.