بقلم: الكاتب والمفكر الإسلامي الدكتور خالد راتب
جاء قوله تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ “(البقرة:185) بين آيات الصيام، وذلك فيه حث على تلاوة القرآن وتدبره ومدارسته في هذا الشهر الكريم؛ إذ هو شهره الذي نزل فيه، وقد كان رسول صلى الله عليه وسلم يعارضه جبريل بالقرآن في كل عام مرة في رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم عارضه بالقرآن مرتين.
لقد ارتبط صيام رمضان بالقرآن؛ ليجمع المؤمن الصادق شفاعتين: شفاعة القرآن لقيامه، وشفاعة الصيام لصيامه، قال صلى الله عليه وسلم:”الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، و يقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان”.( أخرجه أحمد (2/174 ، رقم 6626).
واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام. فمن جمع بين هذين الجهادين و وفَّى حقوقهما و صبر عليهما وُفِّي أجره بغير حساب “.( لطائف المعارف؛ لابن رجب ص360 بتصرف.). استحباب ختم القرآن الكريم في شهر رمضان! عن أوس بن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبّة له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلةٍ يأتينا بعد العشاء يحدّثنا قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقيَ من قومه قريش، ثم يقول :”لا سواءٌ، وكنّا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم، نُدال عليهم ويدالون علينا؛ فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأتَ عنّا الليلة! قال: “إنّه طرأ عليّ حزبي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمّه” قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثٌ، وخمسٌ، وسبعٌ، وتسعٌ، وأحد عشر، وثلاث عشرة، وحزبُ المفصَّل وحده.( سنن أبى داود حديث رقم: 1395).
هذا الحديثُ أصلٌ في مسألةِ تحزيب القرآن، والتحزيبُ للقرآن أن يُجعلَ على أجزاءٍ متسقةٍ تقرأ ورداً متصلاً في مدةٍ معلومةٍ، والتحزيبُ من سنن الصالحينَ ،وقد فهم ذلك أوسُ بن حذيفة – رضي الله عنهُ – راوي الحديثِ، فقاس الغائبَ – وهم الصحابة – على الحاضر – وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأيقن أنهم على دربه في تجزيء القرآن وتحزيبه ؛ ولهذا بادر بسؤال أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن تحزيبهم للقرآن حتى يستنَّ بهم ويهتدي بهديهم، فأخبروه أنهم يجعلون القرآن أحزاباً كل حزبٍ يشتملُ على عددٍ من السورِ التامّةِ. وظاهر هذا الحديثِ، إذا قرنت إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – كما في الصحيح بقوله: “واقرأ القرآن في كل سبع ليال مرة”( أخرجه البخاري).
يقضي بأنَّ المعمولَ به لدى الصحابةِ – رضوان الله عليهم جميعاً – هو ختمُ القرآن في سبعة أيام، وأنَّ هذا هو مقتضى السنّة في ذلك. وإذا عرضنا للتحزيبِ المسبّع بحسب طريقة الصحابة التي أوردها أوس بن حذيفة – رضي الله عنه – في حديثهِ، وهي أيضاً طريقة أكثر السلف كما نقل ذلك عنهم النووي في كتابه “التبيان في آداب حملة القرآن” فإنّهُ سوف يكون على النحو الآتي: – اليوم الأول: 3 سور هي: البقرة وآل عمران والنساء. – اليوم الثاني: 5 سور هي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة. – اليوم الثالث: 7 سور هي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل. – اليوم الرابع: 9 سور هي: الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان – اليوم الخامس: 11 سورة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس. – اليوم السادس: 13 سور: الصافات وص والزمر وغافر وفصّلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ومحمد والفتح والحجرات. – اليوم السابع: 65 سور وهي المفصّل: من سورة ق إلى آخر المصحف الشريف. فهذه 113 سورة من المصحف، وتبقى فاتحة الكتاب وهي داخلة ضمن قراءة الثلاث الطوال الأولى ولكن لقصرها أُسقطت في العدِّ.( التبيان في آداب حملة القرآن” ص 61).
قال الدكتور عبدالعزيز الحربي في كتابه “تحزيب القرآن” : “ولله هذا التحزيب ما أحسنه وما أجملهُ وما أجلّه، فقد جمع بين النظائر على نسقٍ، فلم يفصل بين الأنفال والتوبة، وهما كالسورة الواحدة، وجمع بين السور المفتتحة بالحروف المقطعة المختتمة بالراء، ولا فصل بين العتاق الأول (الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء)، وجمع بين الطواسين (الشعراء والنمل والقصص)، وذوات “ألم” (العنكبوت والروم ولقمان والسجدة)، ولم يفصل بين الحواميم السبع، وجعل المفصل على حدة، ثمَّ هو فوق ذلك مقسّم في أعداده أحسن تقسيم بطريقة لا كلفة لمعرفتها وترتيبها على الأوتار: ثلاث، وخمس، وسبع .. إلخ”.( تحزيب القرآن، الدكتور عبد العزيز الحربي ص108 – 109). هذا نمط لختم القرآن في رمضان، وكل حسب استطاعته ، فمن الممكن أن تختم القرآن الكريم كما سبق أو ثلاث ختمات أو اثنين أو ختمة واحدة المهم أن نعقل ما نقرأ ونطبقه.