بقلم: د. محمود عبدالعزيز يوسف
أ. الفقه المقارن والشريعة الاسلامية
احذروا وسائل التواصل الاجتماعي في الصيام
لشهر رمضان حرمة يجب أن يحترمها المسلمون ويدركوا مدى أهمية هذا الشهر ومكانته الدينية العظيمة حيث إنه الشهر الذي يلقي الفرد فيه بجميع ذنوبه وآثامه بعيدا عنه ويدعو الله أن يبعد عنه شر المعاصي والمنكرات.
والفيسبوك وتويتر من المواقع التي لاشك أنها قدمت دورا اجتماعيا هاما في التواصل مع الأهل والأصدقاء ومشاركتهم بعض اللحظات والذكريات الجميلة إلا أن الكارثة تكون في الشات.
وللأسف إن معظم الناس في هذا العصر يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بصورة كبيرة والجميع مربوط مع مجموعة من المجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إما على الهاتف أو الحاسب المحمول ويقتطع الإنسان الكثير من وقته من أجل متابعة هذه المواقع، وربما البعض لا يكاد يجد وقتا للقيام بالعلاقات الاجتماعية والإنسانية؛ بسبب قضاء معظم وقته أمام هذه المواقع، ولهذا اختفى التواصل الحقيقي والاهتمام بالجلسات التي تجمع الأهل والأصدقاء، ليتواصل كل مع عالمه الخاص من خلال شخصيته الإلكترونية التي بدأت تمسح ذاك الوجود الحقيقي تدريجيا.
وسائل التواصل قد تُلهي المسلم عن القيام بعباداته والتقرب الى الله
إن التواصل الذي يكون له سبب مثل السؤال عن مسألة شرعية أو علمية أو تربوية هذا مطلوب ومرغوب، إذا كان مع مختص في الشؤون الدينية والمسائل الإسلامية، وهذا حسن بين الرجال أو بين الرجال والنساء لأن التواصل هنا يكون لهدف إيجابي وهادف وهذا لا غبار عليه.
لكن هناك نوعا آخر من الكتابة ليس له سبب وإنما المقصود هو مجرد التواصل فتواصل الفتيات مع بعضهن يصاحبه الكثير من الحديث في أمور محرمة كالنميمة والكذب وهنا يفسد الصيام لأن صيام الجوارح لم يحدث عن تلك الأفعال السيئة أيضا التواصل ما بين الذكور والإناث محرم.
ونوصي الجميع بعدم إضاعة الثواب من خلال تحري عدم الخوض في النميمة أو التحدث في أعراض الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتحري الخير دائما حتى لا يكون وزراً عليهم في رمضان.
ضرورة الاعتدال في التعامل مع التكنولوجيا، بحيث نحتفظ بالنعم التي أغنت بها حياتنا دون أن نعرض أنفسنا للخطر كمن يكتب الرسائل أو يستخدم الهاتف وهو يقود سيارته، ولا أن نسمح لها أن تبعدنا عن الأشخاص المحيطين بنا، أو تنال من علاقتنا مع الأسرة والأصدقاء أو تؤثر في تحقيق أهدافنا.
المسألة لا تتعدى أن تكون قراراً يتخذه الشخص بتغيير نمط حياته وتنظيم وقته بحيث يكون شهر رمضان هو بداية لترشيد هذا الوقت والعمل على استغلاله فيما يفيد، سواء بالإكثار من العبادات أو التواصل مع الأصدقاء والأقرباء بالزيارات.
النوم طيلة النهار في رمضان
هل الإنسان في أيام رمضان إذا تسحر ثم صلى الصبح ونام حتى صلاة الظهر ثم صلاها ونام إلى صلاة العصر ثم صلاها ونام إلى وقت الفطر هل صيامه صحيح؟
صيامه صحيح، وقد أجمع العلماء على أن الصائم إذا استيقظ في النهار ولو لحظة واحدة أن صيامه صحيح، فإن لم يستيقظ واستغرق جميع النهار بالصيام فجماهير العلماء على أن صومه صحيح لأن النوم لا ينافي الصيام، فإنه لا يزيل الإحساس بالكلية بل متى نُبه انتبه.
وإذا كان الأمر كما ذكر فالصيام صحيح ولكن استمرار الصائم غالب النهار نائماً تفريط منه، لا سيما وشهر رمضان زمن شريف ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من كثرة قراءة القرآن وطلب الرزق وتعلم العلم.
ولا حرج في النوم نهاراً وليلاً إذا لم يترتب عليه إضاعة شيء من الواجبات ولا ارتكاب شيء من المحرمات، والمشروع للمسلم سواء كان صائماً أو غيره عدم السهر بالليل، والمبادرة إلى النوم بعدما يسّر الله له من قيام الليل، ثم القيام إلى السحور إن كان في رمضان، لأن السحور سنّة مؤكدّة.
كما يجب على الصائم وغيره المحافظة على جميع الصلوات الخمس في الجماعة والحذر من التشاغل عنها بنوم أو غيره، كما يجب على الصائم وغيره أداء جميع الأعمال التي يجب أداؤها في أوقاتها للحكومة أو غيرها وعدم التشاغل عنها بنوم أو غيره، وهكذا يجب عليه السعي في طلب الرزق الحلال الذي يُحتاج إليه هو ومن يعول، وعدم التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره.
ما هو حكم صيام من نام الليل كله واستيقظ بعد الفجر؟
تبييت النية من الليل للصوم الواجب شرط في صحته عند جمهور الفقهاء.
واختلف جمهور الفقهاء هل تكفي نية واحدة في أول كل صوم يجب تتابعه، كصوم رمضان، أم لا بد لكل يوم من نية مستقلة مبيتة في ليلته؟
قال ابن قدامة رحمه الله في المُغني: لا يَصِحُّ صَوْمٌ إلا بِنِيَّةٍ، إجْمَاعًا، فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ، كَالصَّلاةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ فَرْضًا كَصِيَامِ رَمَضَانَ فِي أَدَائِهِ، أَوْ قَضَائِهِ، وَالنَّذْرِ، وَالْكَفَّارَةِ اُشْتُرِطَ أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ اللَّيْلِ عِنْدَ إمَامِنَا، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ صِيَامُ رَمَضَانَ، وَكُلُّ صَوْمٍ مُتَعَيِّنٍ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ.
ثم قال بعد كلام: وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تُجْزِئُهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ، إذَا نَوَى صَوْمَ جَمِيعِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لأَنَّهُ نَوَى فِي زَمَنٍ يَصْلُحُ جِنْسُهُ لِنِيَّةِ الصَّوْمِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ نَوَى كُلَّ يَوْمٍ فِي لَيْلَتِهِ.
وَلَنَا: أَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ لَيْلَتِهِ، كَالْقَضَاءِ. وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ عِبَادَاتٌ، لَا يَفْسُدُ بَعْضُهَا بِفَسَادِ بَعْضٍ، وَيَتَخَلَّلُهَا مَا يُنَافِيهَا، فَأَشْبَهَتْ الْقَضَاءَ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْيَوْمَ الأَوَّلَ. انتهى.
والراجح: هو مذهب المالكية، والرواية الثانية عن أحمد، وهي إجزاء النية في أول الشهر، ما لم يتخلل الصوم قطع له لعذر كسفر، أو حيض.
وبناءً على ذلك لو أن رجلاً نام بعد العصر في رمضان، ولم يستيقظ من الغد إلا بعد طلوع الفجر، لم يصح صومه ذلك اليوم؛ لأنه لم ينو صومه من ليلته، وهذا الذي ذكره المؤلف هو المشهور من المذهب، وعللوا ذلك بأن كل يوم عبادة مستقلة؛ ولذلك لا يفسد صيام يوم الأحد بفساد صيام الاثنين مثلًا.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يشترط فيه التتابع، تكفي النية في أوله، ما لم يقطعه لعذر، فيستأنف النية، وعلى هذا؛ فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله، فإنه يجزئه عن الشهر كله، ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع، كما لو سافر في أثناء رمضان، فإنه إذا عاد للصوم يجب عليه أن يجدد النية.
وهذا هو الأصح؛ لأن المسلمين جميعًا لو سألتهم لقال كل واحد منهم: أنا ناو الصوم من أول الشهر إلى آخره، وعلى هذا؛ فإذا لم تقع النية في كل ليلة حقيقة، فهي واقعة حكمًا؛ لأن الأصل عدم قطع النية، ولهذا قلنا: إذا انقطع التتابع لسبب يبيحه، ثم عاد إلى الصوم، فلا بد من تجديد النية، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، ولا يسع الناس العمل إلا عليه.
والخلاصة أن في صحة الصوم خلافًا، والأحوط أن تقضي هذا اليوم خروجًا من الخلاف؛ فإن الخطب يسير، وإن عملت بقول من يرى صحة الصوم، وسعك ذلك؛ فإنه قول قوي متجه.
وأما إمساكك في ذلك اليوم، فهو واجب على كل حال، وإنما وجب الإمساك لحرمة الزمن.