بقلم: أ . د / محمد عباس عبدالرحمن المغنى
أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المساعد كلية أصول الدين القاهرة جامعة الأزهر
من الأمور المسلم بها أن شهر رمضان مدرسة أخلاقية فيها يتعلم المسلم الصائم السلوكيات الإيمانية التي تضبط حركته فى الحياة، فالعبادات فى الإسلام ليست مجرد طقوس وأشكال، وإنما شرعها الله تعالى؛ حتى تبنى فى الإنسان جوانب أخلاقية ، ومن ثم يتحقق السواء النفسي والمجتمعي، فالصيام يعمل على تربية الإنسان على التقوى، والنظام، والصبر، والعطاء، والإحساس بالآخرين. ورغم هذه السلوكيات الإيجابية التى يجنيها المسلم الصائم من ثمرات الصيام إلا أننا نلحظ بالمجتمع عدة سلوكيات خاطئة يرتكبها بعض الناس فى شهر رمضان نعرض لبعض هذه السلوكيات الخاطئة ونبين علاجها فى ضوء الإسلام .
من أخطر السلوكيات الرمضانية الخاطئة التكالب على شراء المواد الغذائية والأطعمة الزائدة عن الحاجة ، وسائر أصناف الحلويات، والإسراف فى تناولها، حيث يتحول الشهر إلى شهر طعام وشراب، لا شهر عبادة، وصيام، وذكر، وصلاة، مما يؤدى لانعدام الفوائد الصحية للصيام، حيث تؤدى هذه السلوكيات الخاطئة للتخمة، وأمراض السكر، وضغط الدم، وغيرها، وعلاج هذه السلبية هو التوسط والاعتدال إنفاقاً وإطعاماً، والبعد عن التبذير، امتثالاً لقوله تعالى: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27)) وقوله: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) الإسراء .
ومن السلوكيات الخاطئة فى رمضان ظهور العصبية المفرطة، وعدم ضبط الأعصاب، مما يؤدى لرفع الصوت، والسب، والشتم، والاعتداء على الآخرين بالألفاظ وبالجوارح أحياناً متعللاً بأنه صائم، وهذا مما يضيع أجر الصائم، وفائدة الصيام، فالصوم يعلمنا الصبر، وضبط النفس، وعلاج من تعرض لهذا أن يضبط سلوكه كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً:” إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ ” مرة يذكر بها نفسه أنه صائم، ومرة يذكر غيره ليمتنعا سوياً عن هذا السلوك الخاطئ.
ومن السلوكيات الخاطئة فى شهر رمضان تضيع الوقت، وهو يأخذ صور عديدة منها النوم بالنهار والسهر ليلاً، ومنها الخمول وقلة الفاعلية، وتدنى الإنتاج، ومنها الجلوس أمام الشاشات، والبرامج، والمسلسلات غير النافعة، والتي تضيع روح العبادات، وتقتل الوقت، وعلاج ذلك هو ضبط الوقت والحفاظ عليه، ومعرفة قيمة الوقت، وأن الإنسان سيسأل عن هذا الوقت المبارك فى شهر رمضان الذى هو أسرع من البرق انقضاءً كما قال سبحانه وتعالى (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) وقول النبى صلى الله عليه وسلم«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» .
ومن السلوكيات الخاطئة للصائم الوقوع فى أعراض الناس بالغيبة، والنميمة، والكذب، وهى أشد حرمة فى نهار رمضان، حيث نص العلماء على ضياع أجر الصائم المغتاب والعلاج فيما قال سلفنا الصالح: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ، وَدَعْ عَنْكَ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ سَكِينَةٌ وَوَقَارٌ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ صَوْمِكَ وَيَوْمَ فِطْرِكَ سَوَاءً» فليحفظ الصائم لسانه وقلبه وسمعه وبصره من الوقوع فى الخطايا حتى يكون من المأجورين والمغفور لهم بموعد الله تعالى.