بقلم: الشيخ سعد الفقي
كاتب وباحث
لشهر رمضان معي ذكريات لاتنسي في كل مراحل الحياة، في الصغر لا يمكن أن أنسي الشيخ مصطفي ابو عطية الذي كان يصعد سلم المسجد المتهالك قبيل المغرب وتحديدا عند الغروب وكنا نراه وهو يتأهب لرفع الأذان، كان صوته رخيما وجميلا، مسجد القرية الوحيد واليتيم لم يكن به ميكروفون كما هو حاصل الآن، البيوت كانت تعتمد علي لمبات الجاز، والمسجد له خصوصية، فقد كان يضاء بفانوس صغير الحجم، كنا لانبرح محيط المسجد الا بعد سماع الأذان كاملا ثم نعود الي البيوت للجلوس علي مائدة الإفطار المتواضعة، وربما كان المظهر الاهم هو التفاف الجميع البنين والبنات الصغار والكبار، حالة من الوئام كنا نراها ونستشعرها، وكانت الأسر تتبادل المتواضع من المأكل والمشرب، وبعد الافطار كنا ننطلق الي المسجد لأداء الصلاة وسماع الدرس من سيدنا الشيخ عبد الباقي، وكان مأذونا شرعيا للقرية و خطيب المسجد ويؤم الناس في الصلوات الخمس، وكانت له منزلة بين أبناء القرية، فقد كان يحتضن الجميع وله علاقه متميزة معهم، وبعد الفراغ من صلاة العشاء كان الناس يلتقون جلوسا أمام البيوت يتسامرون ويتبادلون الأحاديث.
كنا صغارا وكنا نحلم أن ننال شرف الحضور في هذه الجلسات، همزه الوصل التي كانت تربط الحضور النقاء والصفاء والاخلاص والاحترام والتقدير، مشاكل الناس كانت تذوب قبل قدوم شهر رمضان المبارك، الكل كان يتسابق لمصافحة الآخرين حرصا منه أن يكون صيامه خاليا من الشوائب، الكل كان أحرص علي هجر القطيعة والإمساك بالوصال، كنا نري بأم العين التراحم والتواصل بين الناس، وكان الصغار يحظون بالنصيب الأكبر من العطف والرعاية، لن أنسي الرعاية التي كنت أنالها انا وغيري في أيام الشهر الفضيل، وكنا نسعد من خلال تكليفنا بطلبات البيت والتي كانت زادا في طعام الافطار، زمان كان الناس ينتظرون قدوم الشهر الكريم مظاهر رمضان كانت تبدأ مع قدوم شهر رحب وتزداد بقدوم شهر شعبان، رأيت الحزن علي وجوه الناس في أواخر ايامه وكلما اقترب علي الانزواء.