بقلم: د. خالد راتب
من علماء الأزهر الشريف
مضاف لغتنا-اللغة العربية- لا بد له من مضاف إليه، حتى يكتمل المعنى ، أما مضاف الواقع فقد حرم-في أوقات كثيرة- من المضاف إليه، حيث يعيش المضاف غريبا، فالكل مشغول بنفسه ودنياه، يذكر المضاف المضاف إليه بقواعد اللغة المستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، قواعد الاعتصام والتعاون، وأن يكونا متحدين صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا كما أخبر المعصوم-صلى الله عليه وسلم- فلا يجد استجابة!.
يذكره بقوله سبحانه: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”(الحجرات:10)، وبقوله- صلى الله عليه وسلم-:”المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” أخرجه البخاري .يذكره ويذكره …ولكن دون جدوى!.
يهان المضاف فلا يجد مضافا إليه يرد إليه كرامته، وينتهك عرضه، ويطرد من أرضه، ويستباح دمه فلا يجد مضافا إليه يسارع لنجدته، ليستر عرضه ويضمد جراحه، ويمسح دموعه، أو على الأقل يهتم به ويدعو له…لكن للآسف نسيت أن المضاف إليه نائم يغض في نومه ونسي حتى أن يهتم بنفسه ويدعو لها…نسى المقدسات التي يعتدى عليها، نسى كل شيء!.
هل فقد المضاف إليه إنسانيته وغرق في بحر الشهوات يرفل فيها تحركه الأمواج كيف شاءت فأصبح لا يتأثر بما يحدث لمضافه في كل مكان؟، أم أنه ألف تلك المشاهد وأصبحت لا تحرك له ساكنا، مع أنها مشاهد يشيب منها الولدان؟!.
هل أصبح المضاف إليه خاضعا مستسلما لا حول له ولا قوة ؟!.
هل أصبح المضاف إليه مجرد صورة لا حظ لها في الجملة المفيدة إلا الشجب والإدانة!.
أخاف أن يصبح المضاف إليه -بل أظن أنه أصبح-غثاء كغثاء السيل ، تداعت الأمم عليه، والكثرة من حوله ولكن -للآسف -هم-أيضا- أصبحوا كغثاء السيل!.
أيها المضاف إليه أذكرك بأننا أمة واحدة :”وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ “(المؤمنون:52)،وأحذرك من التقاطع والتدابر والفرقة:” فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ “( المؤمنون:53).
أحذرك من التنازع الذي يؤدي إلى الفشل وذهاب القوة:”وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”(الأنفال :46).
أنصحك أيها المضاف إليه من الاستماع إلى الدعوات الهدامة المتطرفة، ومن الدعوات الهدامة المتسيبة فكلاهما خطر على الأمة، فالفكر المتطرف يدمر ويسفك الدماء، والفكر المتسيب يهدم الأخلاق ويميع القضايا حتى يحدث انسلاخا بالكلية من أوامر الدين!.
أنصحك أن تراجع سجل التاريخ وتنظر في أحداثه بدقة لينكشف لك كل شيء؛ لكي تعرف كيف تتعامل مع الواقع، فالتاريخ يعيد نفسه، والأيام دول، وسنن الله في أرضه ثابتة، لا تبديل ولا تحريف لها:”إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (آل عمران:140).
وأختم معك أيها المضاف إليه في كل مكان بهذه النصيحة الغالية وهي: كما أن المضاف يحتاج إليك فإنك تحتاج إليه، ويستحيل أن تستقيم جملة التعاون والاعتصام إلا باتحادكما معا جسدا واحدا ولحمة واحدة.