بقلم: د.عبدالغنى الغريب
الأستاذ بجامعة الأزهر
أين هم من محمد صلى الله عليه وسلم؟ كان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جارٌ فارسيٌّ مشهورٌ بجودة طعامه، فصنعَ يوماً طعاماً وجاء إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعوه، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يُشيرُ إلى عائشة: وهذه؟فقال: لا،فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا أحضُر. وفي مرَّةٍ ثانية صنعَ الرجل طعاماً وجاء إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعوه، فقال له وهو يُشير إلى عائشة: وهذه؟فقال: لا، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا أحضُر. وفي المرة الثالثةصنعَ الفارسيُّ طعاماً وجاء يدعوه، فقال له وهو يُشيرُ إلى عائشة: وهذه؟ قال: نعم، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: الآن نعم، وقام هو وعائشة يتدافعان حتى أتيا منزله.
انظُرْ لأدبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولِينه ورِفقه. لقد نقلتْ كتبُ السيرة أنه دُعِيَ كثيراً إلى طعام وكان يذهبُ مع أصحابه، ولكن المسألة هنا مُختلفة، فالدعوةُ من جارٍ له، وقد تمَّتْ على مسمع ومرأى من عائشة، فكَرِهَ أن يذهبَ دونها تطييباً لخاطرِها، ومراعاةً لمشاعرها، لقد حرمَ نفسه مرتين من الطعام اللذيذ مراعاةً لمشاعرها، ولا شكَّ أنه بهذا الرَّفض قد امتلكَ قلبها، وعرفتْ كم هي غالية عنده أثمن من الهدايا والبيت الفاخر.
إن من لا يصنع قيمةً لزوجته لن يصنعَ لها العالم كله قيمة، ورحم الله جدتي ما أحكمها حين كانت تقول: من قالَ لزوجته يا عُورة لَعِبَ بها الناس الكورة. وهذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يعلمنا الإيتكيت قبل إيتيكيت الغرب بآلاف السنين.
يقول أحد المتخصصين بفنون الإيتيكيت: قرأت عن فنون الإيتيكيت كما وردت من المدرسة السويسرية، وتعرفت أيضا على المدرسة الفرنسية، ولكني انبهرت وتأثرت بمدرسة محمد صلى الله عليه وسلم ورأيت العجب. للأسف يبهرنا مشهد ممثل يطعم زوجته في الأفلام و لا ننبهر بالحديث الشريف :”إن أفضل الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته. ويعتقد الكثيرون أن تبادل الورود بين زوجين متحابين عادة غربية، ونسوا حديثه صلى الله عليه وسلم: (من عرض عليه ريحان فلا يرُدّه فإنه خفيف المحمل طيب الريح .
وينبهر الكثيرون عندما يرون الرجل الغربي يفتح باب السيارة لزوجته، ولا يعلمون أنه في غزوة خيبر جلس رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على الأرض وهو مجهد، وجعل زوجته أم المؤمنين السيدة صفية رضي الله عنها تقف على فخذه الشريف لتركب ناقتها. هكذا كان سلوكه في المعركة فكيف كان سلوكه في المنزل صلى الله عليه وسلم ؟عندما حضرته الوفاة كان في حجر أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، و كان يمكن له صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله أن يتوفاه ملك الموت وهو ساجد يصلي، لكنه اختار صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر أنفاسه بحضن زوجته.
وكان صلى الله عليه وسلم في يوم مع أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها فشربت، فأخذ نفس الكأس الذي شربت فيه وأخذ يشرب من نفس المكان الذي شربت منه..أين أنتم يا أهل الرومانسيةمنه صلى الله عليه وسلم.