بقلم د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
خلقنا الله تعالى متعددين متنوعين في كل شيء… في اللون، والعرق، والدين، واللغة، والفكر، والثقافة، والمهارات، والخبرات… وجاء بنا ربنا إلى الدنيا وسخر لنا كلَّ ما فيها؛ لنتكامل جميعًا في إعمارها، وإسعاد الكون والحياة والإنسان…
ولا سبيل إلى التعاون، والتكامل، والتعاضد إلا بمنهجية ناجعة، تُجلِّي الحقائق، وتوضح وجهات النظر، وتقضي على الغموض واللبس، وتذيب الثلوج، وتقرب المسافات بين سائر البشر…
ومن هنا تبرز الأهمية البالغة لقيم: التعددية والتنوع، والمسؤولية، والمشترك الإنساني والقواسم المشتركة (الثقافية، والدينية، والأخلاقية، والحضارية،…) بين سائر البشر. ولا ريب أن هذه القيم كفيلة -حال الإيمان الكامل بها وتفعيلها وتمكينها لتكون منهج حياة- بإيجاد عالَم آمن وخال من الحروب الصراعات والمشكلات، يسوده التفاهم، والإيمان المشترك بأهمية كل منا في الحياة…
ومن هنا تتعاظم الحاجة إلى الحوار في هذه الأونة أكثر من أي وقت مضى، فبعد أزمة كورونا التي أرعبت العالم، وأربكت الدنيا، وكشفت عن مرارة الحروب والصراعات التي راح ضحيتها ملايين البشر حول العالم، وكشفت أيضًا عن ضعف الإنسان، وحاجته إلى التعاون والتكامل لإعمار الكون والحياة، وتعظيم قيمة الحوار بين كل الناس؛ ليعلو صوته، ويسود صداه، ويبلغ مداه كلَّ مكان؛ ليكون بديلا عن أصوات الذخيرة والمدافع والقنابل…
إننا في حاجة جد ماسة إلى الحوار المثمر البنَّاء الذي يضع البشرية كلها أمام مسئوليتها… أمام إعمار الكون، بدلا من تدميره، وإسعاد الحياة بدلا من إتعاسها، ومعالجة مشكلاتها بدلا من تكثيرها…
إننا في مسيس الحاجة إلى حوار جديد، ينطلق من الإيمان الكامل بالتعددية، والمسؤولية، والمشتركات بين البشر، وما أكثرها في هذه الحياة!!.
إننا في حاجة جد ملحة إلى تحقيق فهم أدق لطبيعة الآخر، وخصائصه الثقافية، والدينية، والاجتماعية،… والانطلاق معه من هذا الفقه العميق، وبحاجة كذلك إلى أن نمكِّن الآخر من أن يفهمنا فهمًا دقيقًا، يحقق التقارب المنشود، ويقضي على ظاهرة ما يسمى “الإسلاموفوبيا”، ويصحح فهمه الخاطئ عنَّا، والذي كرَّسته مصانعُ الكذب والتدليس على مدار عقود…
ومن هنا تبرز أهمية المؤتمر الحادي والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية (حوار الثقافات والحضارات) الذي سينطلق بإذن الله تعالى، من أرض الكنانة، تحت رعاية السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية يومي ١٣ و ١٤ مارس ٢٠٢١م؛ ليسهم -إن شاء الله تعالى- بسهم وافر في تحقيق التقارب والتعاون، ويبين –في هذا المحفل العلمي العالمي- ما يجب على البشرية أن تفعله، ومن ثم يضعها أمام مسؤوليتها في التكاتف، والتعاون الحقيقي؛ لعلاج مشكلاتها، وتحدياتها، والأخطار التي تهددها…
فتحية لوزارة الأوقاف، ولرجالها، وعلمائها الأفاضل، بقيادة معالي الوزير أ.د/ مختار جمعة، على اختيار هذا الموضوع المهم، في هذا الوقت بالذات، إذ إن الظرف -الآن- مناسب جدًّا لإيجاد بيئة حاضنة للحوار والتعاون والإخاء… وشكرا للسادة العلماء الأفاضل الذين سطَّروا أبحاث المؤتمر وأوراقه وهؤلاء الذين جاءوا من بلاد بعيدة للإسهام في تحقيق ما نصبوا إليه…
وبالله تعالى التوفيق