بقلم: الكاتبة إسلام العيوطي
وتظل رحلة《 الإسراء والمعراج 》رحلة فريدة من نوعها، حيث خرقت ناموس الكون كله وأخترقت وتجاوزت حاجز
وحدود الزمان والمكان ذلك لأنها من قبل المولى عز وجل، ليسري بها عن نبيه ومصطفاه ما أصابه فيما عرف بعام الحزن الذى فقد فيه نصيريه بعد الله عمه أبي طالب وزوجته أم المؤمنين السيدة خديجة وما لحقه من آسى فى رحلة الطائف وكان له أثر ثقيل على نفسه ، فكانت تلك الرحلة بمثابة مواساة وربطا على قلبه وقلوب المؤمنين، وقد وكل بها الروح الأمين ليصطحب فيها أفضل المرسلين وسيد الخلق أجمعين صلوات ربي وسلامه عليه ويكون البراق هو البرق الذى حمله وسمي البراق لشدة لمعانه وصفائه وتلألؤه وتوهجه ، فلا ضير فى أن نقول أن البراق كالبرق ذلك لأنه سار به بسرعة فاقت سرعة الضوء ،
الإسراء :- لغةً مأخوذ من السّرى ، ويعني السير ليلًا ، فلا يكون الإسراء إلا فى الليل ،
أما فى الإصطلاح :- هو إنتقال سيدنا محمد عليه افضل الصلاة وازكي السلام من مكة إلى بيت المقدس فى رحلة أرضية بقدرة الله سبحانه وتعالى ،
أما المعراج :- فهو رحلة سماوية تمت أيضًا بحول الله وقوته وقدرته ، وهى انتقال سيدنا محمد صل الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات العلا ومنها إلى سدرة المنتهى
حتى لقى الله سبحانه وتعالى فى لقاء مهيب لم يصل إليه إنس ولا جان ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل ….
ثم الرجوع إلى المسجد الحرام
قال تعالى :-《سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ》سورة الإسراء – الآية (١)
وكما ورد ذكرها فى القرآن الكريم ، فصلتها السنة النبوية الشريفة المطهرة ، موضحة ما اشتملت عليه من آيات وعبر ، كاشفة لنا ما أفاءه الله عز وجل على الأمة الإسلامية بأسرها من عطاء غامر فياض ورحمة واسعة
قال الإمام البخاري رحمه الله :- حدثنا يحيى ابن بكير قال :-
حدثنا الليث عن يونس ، عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال :- كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال 《فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل عليه السلام ، ففرج صدري ، ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا ، فأفرغه فى صدري ، ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء :-
افتح … قال : من هذا ؟
قال : جبريل ، قال : هل معك أحد ؟
قال : نعم ، معى محمد صل الله عليه وسلم
فقال : أرسل إليه ؟ قال : نعم .
فلما فتح علونا السماء الدنيا ورأى ما رأى فى كل سماء تلو الأخرى يصعد إليها
قال ابن شهاب فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس ، وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان : قال النبي صل الله عليه وسلم :
ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام .
قال ابن حزم وأنس بن مالك قال النبي : ففرض الله على أمتي خمسين صلاة ، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى
فقال : ما فرض الله على أمتك ؟
قلت : فرض خمسين صلاة .
قال موسى : فارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك
فراجعني فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى ، قلت : وضع شطرها ، قال : راجع ربك فإن أمتك لا تطيق
فراجعت فوضع فقال : هن خمس وهن خمسون .
لا يبدل القول لدى ، فرجعت إلى موسى ، فقال : راجع ربك .
فقلت : استحيت من ربي .
ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى ، وغشيها ألوان لا أدري ما هى ثم أدخلت الجنة فإذا فيها حبايل اللؤلؤ وإذا ترابها المسك .
وينطوي على ما سلف ذكره بيان لمعجزة الإسراء والمعراج التى خص بها نبيه عليه افضل الصلاة وازكي السلام
ليريه من آياته الكبرى ما يقر به عينه ، فيشهد ما لم يشهده أحد ولتضح بذلك منزلته صلوات ربي وسلامه عليه ﷽
قال تعالى :-《وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴿۱﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴿۲﴾ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿۳﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿٤﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴿٥﴾ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ﴿٦﴾ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ﴿٧﴾ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ﴿۸﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴿۹﴾ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ﴿۱۰﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ﴿۱۱﴾ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ﴿۱۲﴾ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ﴿۱۳﴾ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ ﴿۱٤﴾ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ﴿۱٥﴾ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ﴿۱٦﴾ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ﴿۱٧﴾ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ﴿۱۸﴾》 سورة النجم الآيات من( ١- ١٨)
ولم أتطرق لأحداث الرحلة بأسرها بل أكتفيت بالحديث عن ملامح منها وأهمها الصلاة وقد ورد أن الحكمة فى تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء أنه صل الله عليه وسلم لما عرج به رأى فى تلك الليلة تعبد الملائكة ، وأن منهم القائم فلا يقعد ، والراكع فلا يسجد ، والساجد فلا يقعد ، فجمع الله له ولأمته تلك العبادات كلها فى كل ركعة يصليها العبد ، بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص ، وفى اختصاص فرضيتها بليلة الإسراء إشارة إلى عظيم بيانها ، ولذلك اختص فرضها بكونه بغير واسطة ، وأسرى الله برسوله إبتهاجا فى موكب هز الركاب ، من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين، وصلى بالأنبياء صلاة ملئت الدنيا خشوعًا للإله ، ليلة هزت الدنيا عجائبها ، ثم عرج إلى السماء على جناح بقدرة الفرد الصمد حتى علا فى السماء فلما دنا كان قاب قوسين أو أدنى عند سدرة المنتهى بلغ الكمال بنوره ، ليستشرف الأجواء الإلهيه المشرفة ، ويجتاز طبقات البعد ليقترب من ربه كما قال سبحانه :《وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ》سورة العلق الآية (١٩)
يا رسول الله أنت نور قد سرى للعالمين
أنت شمس أنت قمر وسراج نور مبين
جئت بالإسلام بشرى وهدى للحائرين
سرت للأقصى بمسرى فيه عبرة للسائلين
ثم تحظى بإرتقاء يسمو بخير المرسلين
اللهم كحل أعيننا بعودة الأقصى الأسير مجددًا للمسلمين.