بقلم: أ.د/ محمد عبدالدايم الجندى
وكيل كلية الدعوة الاسلامية جامعة الازهر بالقاهرة
لفت ناظري عالم صيني درعمي نابغ شرفت بمناقشته في رسالته العالمية الدكتوراه في كلية دار العلوم الصاعدة العريقة الحبيبة إنه العلم الشيخ عبدالرحمن تشانغ، لفت ناظري هذا العالم الفاحص إلى وصية شيخ الأزهر إمام المسلمين المراغي رحمه الله لطلاب الصين الأزاهرة، فأعجبتني الحكاية.
فهي حكاية نقلها عن علم عالم أزهري أقدم تروي قيمة الأزهر وتنقش تاريخه السمح على جدرات الشرف في الصين والعالم، إنها حكاية تقص شيئا عن الأزهر صانع العلماء، الأزهر الراسخ في وراثة الأنبياء، وحين يقص أحد أعلام الأزهر الصينيين روايته عن الإمام الأكبر ما علينا إلا أن ننصت ونستمع له، إن العالم الأزهري الشيخ محمد تواضع بانغ شي تشيان يروي لنا وصية الإمام الأكبر لسفراء الأزهر ونتاجه وصنعته، يقول في كتابه “تسعة أعوام في مصر”:
“مرة سألني فضيلة شيخ الأزهر الشيخ المراغي في أثناء الحديث: “سمعت أنكم الطلبة الوافدين الصينيين عندما عدتم إلى الوطن ستمارسون جميعا الأعمال السياسية؟” قلت: “نعم، بعضهم”. وقال: “إنهم درسوا الشريعة، والأولى أن يقوموا بالأعمال الدينية. قال الله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم، إذا رجعوا إليهم، لعلهم يحذرون) التوبة: 122 أما المشاركة في السياسة فليست محرمة، ولكن ليقم بها غيركم من إخوتكم وقد ضعفت الأعمال الدينية يوما بعد يوم، وفي الحديث: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا) رواه مسلم، ولكنْ لن نفتر، ولن نيأس، والله تعالى يقول: (ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون)سورة يوسف: 87”.
لقد حرص إمام المسلمين المراغي على توسيع رقعة الإسلام في الصين، وفطن إلى أن ذلك هو حجر الأساس لكل قادم، ولم يرد كما لم يحرم أو يجرم ان ينتسبوا للسياسة، ولكنه رأى أن انشغالهم بالدعوة للإسلام هناك أولى، وهذه رؤية الأزهر بوسطيته واعتداله وانهماك شيوخه العظماء في كل زمان على حسن البلاغ والدعوة السمحة للإسلام من خلال أروقته التي يشع منها عبق التراث الذي يجمع بين الماضي والحاضر ويخاطب المستقبل.
وصدق الأستاذ عباس محمود العقاد حين قال عن الأزهر : يكفي تاريخ كل فترة من حياة هذا المعهد الخالد للتعريف بوظيفته التي استقر عليها ، وبيان مكانته التي تبوأها من الأمة، فقد تقرر بحكم العرف والتقليد وحكم العقيدة والسمعة أنه ملاذ القوة الروحية في نفوس أبناء الأمة الذين يدينون بعقيدتها ..
ويقول الدكتور بيير دودج P.Dodge في كتابه عن «الأزهر : “إن الأزهر ظاهرة ظهرت مع الزمن شيئا فشيئا ، عشرة قرون قام فيها حارسا أمينا على الدين الاسلامي وعلى اللغة العربية”، وما أجمل ما كتبه الشيخ علي الطنطاوي من علماء سوريا عن قامات الأزهر وعلمائه، وما أبدع حرفه في في وصفهم، قال: أولئكم علماء الأزهر ، وهل في الدنيا معهد علم له قدم الأزهر ، وعظمة الأزهر ، وأثر الأزهر في الفكر البشري وفي الحضارة الإنسانية؟
أي معهد يجر وراءه أمجاد الف سنة؟ فالأزهر درة الدهر تكسرت على جدرانه أمواج القرون وهو قائم ..
اللهم احفظ الأزهر وعلماء الأزهر إلى يوم الدين.