الوحى وخصوصيته وأنواعه فى القرآن الكريم
بقلم/ د. محمد العربي
ترد كلمة الوحى بمشتقاته في حوالى 80 آية، وعند استقصاء مادة الوحى في القرآن الكريم نجد أن الإشارة إلى مصدر الوحى تتمثل في ثلاثة مصادر وهى كالتالي .
أولاً : الوحى الإلهى :
وهو المنسوب إلى القدرة المطلقة التى تتعالى على القدرات البشرية أو أية نسبة أخرى
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [سورة النساء : 82] .
ولا شك أن لهذا الاختصاص به سبحانه وتعالى علة ترتبط ارتباطا قويًا بأبعاد الغيب نفسه فالإحاطة بالغيب لا تكون إلا له وحده تبارك وتعالى : وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
[سورة الأنعام : 59] .
فعلم الغيب ينفى من البشر فالآيات نافيه أن يكون علمهم للغيب بعلم ذاته وليست بنافية لعلم الكسب فهو عند الله سبحانه علم وهو من البشر إخبار بالكسب . هذا ما أكدته آيات أخرى كقوله تعالى : ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
[سورة آل عمران : 44] .
وأخبار الملائكة والأنبياء بالغيب مرتبطة بما يعبر عنه تعالى بالارتضاء والاصطفاء بتخصيص من يلقى إليه علم الغيب باختياره من بين كل البشر
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [سورة الحج : 75] .
من يتلقى الوحى الإلهي؟
1- الأنبياء والرسل عمومًا :-
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿163﴾ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا [سورة النساء : 163-164] .
2- الملائكة :-
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [سورة الأنفال : 12] .
3- الحواريين :-
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [سورة المائدة : 111] .
4- الأسباط من بنى إسرائيل :-
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿163﴾ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا [سورة النساء : 163-164] .
5- البشر العاديين كأم موسى :-
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [سورة القصص : 7] .
6- الوحى إلى المخلوقات الأخرى :-
وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [سورة النحل : 68] .
7- مظاهر الطبيعة من الجمادات وغيرها :-
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [سورة فصلت : 12] .
ثانيًا – الوحى الشيطانى:
ويظهر ذلك جليًا فى العديد من النصوص القرآنية التى تقرن بين النفس والشيطان وما تشير إليه من أشكال إغوائه وتزيينه الذنوب ودعوته الإنسان إلى المعاصى وميز القرآن الكريم الوحى الشيطانى بخصائص ينفرد بها، كمثل ما يمكن أن يكون تصورًا لطبيعته وهى ما يمكن استجلاؤها من آيات الذكر الحكيم ويمكن إجمالها في:
1- مكسب الشيطان بطبيعته العاصية فلا ينسب وحيه إلى غيره لأن وحيه خداع للإنسان والصفة المطلقة لهذا الوحى الشيطانى أنه كذب وإغواء: وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [سورة الأنعام : 112] .
2- إن ميدان نشاط الشيطان فى إغوائه وصده من سبيل الله هو النفس الإنسانية من خلال مدركاتها وأفعالها وقواها المختلفة ومن نشاطاته وتأثيراته منها :
* النجوى : إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [سورة المجادلة : 10] .
* العمل على نسيان الإنسان ذكر ربه : وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [سورة الأنعام : 68] .
* حثه الإنسان ودفعه إلى المعصية وتزينيها له : وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [سورة العنكبوت : 38] .
أنواع الوحى الشيطانى:
1- الوسوسة .
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [سورة الأعراف : 20] .
وعلاج الوسوسة كما بين الله فى كتابه بالاستعاذة منه فى كل أحواله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴿1﴾ مَلِكِ النَّاسِ ﴿2﴾ إِلَٰهِ النَّاسِ ﴿3﴾ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴿4﴾ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴿5﴾ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴿6﴾ [سورة الناس : 1-6] .
2- النزغ:
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [سورة الأعراف : 200] .
3- المس :
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [سورة الأعراف : 201] .
4- الهمز :
رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [سورة المؤمنون : 97] .
5- الأز :
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [سورة مريم : 83] .
ثالثًا : الوحى من مصارد أخرى:
1- الوحى البشرى .
وردت الإشارة الصريحة من وحى بشرى من البشر إلى بعضهم فى القرآن الكريم مرتين اختلفت طبيعة كل منهما عن الأخرى اختلافًا كليًا وهما :-
* وحى زكريا إلى قومه : فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [سورة مريم : 11] .
* وحى شياطين الإنس : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [سورة الأنعام : 112] .
فالآية تشير إلى أن من الإنس من يوحى بعضهم إلى بعض وهم شياطين الإنس من مردة الكفار أو اليهود .
2- الوحى الملائكى:
وهذا النوع ظاهر بوضوح فى تبليغ الملائكة الرسلات إلى الأنبياء أو إبلاغهم بالبشارات أو النذر الصادرة إلى أممهم أو تحذيرهم بنزول العقاب على تلك الأمم .
وتم التعبير عن ذلك كله بصيغ عديدة منها ما هو مع الأنبياء ومنها ما هو مع غيرهم من ذلك التبشير بالمن والنعم الإلهية كتبشير إبراهيم وزكريا بالولد بعد الكبر: قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ [سورة الحجر : 53] ، فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [سورة آل عمران : 39] .
والنزول على الأنبياء بالوحى والتبليغ عن الله: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [سورة النحل : 2] .
والاصطفاء للرسالة والوساطة: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿74﴾ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [سورة الحج : 75] .
ولم يرد ذكر الوحى منسوبًا إلى الملائكة وصادرًا عنهم إلا فى ما يلى :
* آية الشورى المبينة لطريقة تكليمه تعالى، فكان الوحى بوساطتهم أحدهم.
* ما جاء من حديث المولى سبحانه وتعالى حول معجزة المعراج فى سورة النجم: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ﴿8﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴿9﴾ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ [سورة النجم : 8-10] .
وللآية عند الفخر الرازى وجهان محتملان فى فاعل أوحى:
• أوحى الله تعالى إلى محمد ما أوحاه إلى جبريل .
• أوحى إلى جبريل ما أوحى إلى النبى.