مقال بعنوان : مصر مهبط الرسالات وموطن الأنبياء
بقلم : إيمان عوني مقلد
مما شرفت به مصر أن الله تعالى كرمها بالذكر في القرآن الكريم، وجعل اسمها يتردد على ألسنة المسلمين حتى قيام الساعة، في صلاتهم وعبادتهم، وهو شرف لا يضاهيه شرف، ومكانة لا تعادلها مكانة، وحق للمصريين أن يفخروا بذلك، على أن بلدهم هي البلد الوحيد الذى ذكر صراحة فى القرآن الكريم خمس مرات، وأشير إليها في آيات كثيرة.
والآيات الخمس التي ورد فيها الحديث عن مصر صراحة هي:
“وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ”(البقرة: 61)
“وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” (يونس: 87)
“وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ” (يوسف: 21)
“فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ” (يوسف: 99)
“وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِنْ تَحْتِى أَفَلا تُبْصِرُونَ” (الزخرف: 51)
كما ورد ذكر مصر أيضًا فى القرآن الكريم، بالتلميح، ثلاثًا وثلاثين مرة، ومن ذلك قوله تعالى: “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” (يوسف55)، “وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ( القصص6) والأرض المشار إليها في الآيتين السابقتين هي مصر.
كما ورد ذكر مصر في العديد من الأحاديث النبوية، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: “ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا فإن لكم منهم ذمة ورحمًا” رواه مسلم.
كان سيدنا آدم عليه السلام أول من دعا لمصر بالخصب والبركة والخير والرحمة والبر والتقوى، ودعا لها أيضًا سيدنا نوح عليه السلام، وسمَّاها الأرض الطيبة التي هي أم البلاد. وأمضى سيدنا يوسف، عليه السلام، حياته كلها في مصر، فكانت له مقامًا طيبًا وأتى بقومه جميعًا من بلاد الشام للإقامة فى مصر، وهي التى تجلى الله سبحانه فيها على موسى- وكان مصريًا أسمر اللون وكان كل من يلقاه يحبه- وألقيت عليك محبة منى- وكلَّمه الله وهو فى أرض مصر تكليمًا.
كما شرفت مصر بأن استضافت المسيح عليه السلام وأمه السيدة مريم ابنة عمران، وانتقلا منها معززين إلى القدس الشريف.
كان بها من الصديقين والصديقات مؤمن آل فرعون الذي ذكر في القرآن في مواضع كثيرة، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اسمه “حزقيل”، وكان بها الخضر، وآسية امرأة فرعون وأم إسحاق، وماشطة بنت فرعون.
من مصر، تزوج سيدنا إبراهيم الخليل، السيدة هاجر وولدت له ابنه إسماعيل، وتزوج يوسف من زليخا، ومنها أهدى المقوقس النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية، فتزوجها وأنجبت له إبراهيم.
وعندما تم لجيش عمرو ابن العاص فتح مصر، وصل إلى قرية حفن بالمنيا مسقط رأس السيدة مارية القبطية، وعرف أنها المنطقة التي جاءت منها أم إبراهيم، ومحل أخواله، فأعفى أهلها من دفع الجزية وآثر البقاء هناك، وقرر بناء مسجد مكان منزلها، ليكون أول مسجد في ملوى، وقد جعله مقر إقامته بعد الفتح.
وكتب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص، قائلاً: “أما بعد فإني قد فكرت في بلدك وهي أرض واسعة عريضة رفيعة، قد أعطى الله أهلها عددًا وجلدًا وقوة في البر والبحر، قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملاً محكمًا، مع شدة عتوهم فعجبت من ذلك، وأحب أن تكتب لي بصفة أرضك كأني أنظر إليها، والسلام”.
فكتب إليه عمرو بن العاص: “قد فهمت كلامك وما فكرت فيه من صفة مصر، مع أن كتابي سيكشف عنك عمي الخبر، ويرمي على بابك منها بنافذ النظر، وإن مصر تربة سوداء وشجرة خضراء، بين جبل أغبر ورمل أعفر، قد اكتنفها معدن رفقها (أي عملها) ومحط رزقها، ما بين أسوان إلى منشأ البحر، فسح النهر (تدفقه) مسرة الراكب شهرًا، كأن ما بين جبلها ورملها بطن أقب (دقيق الخصر) وظهر أجب، يخط فيه مبارك الغدوات، ميمون البركات نيسيل بالذهب، ويجري على الزيادة والنقصان كمجاري الشمس والقمر، له أيام تسيل له عيون الأرض وينابيعها مأمورة إليه بذلك حتى إذا ربا وطما واصلخم لججه (أي اشتد) واغلولب عبابه كانت القرى بما أحاط بها كالربا، لا يتوصل من بعضها إلى بعض إلا في السفائن والمراكب، ولا يلبث غلا قليلاً حتى يلم كأول ما بدا من جريه وأول ما طما في درته حتى تستبين فنونها ومتونها.
ثم انتشرت فيه أمه محقورة ( يقصد أهل البلاد الذين استذلهم الرومان)، قد رزقوا على أرضهم جلدًا وقوة، لغيرهم ما يسعون من كدهم (أي للرومان) بلا حد ينال ذلك منهم، فيسقون سها الأرض وخرابها ورواسيها، ثم ألقوا فيهمن صنوف الحب ما يرجون التمام من الرب، فلم يلبث إلا قليلاً حتى أشرق ثم أسبل فتراه بمعصفر ومزعفر يسقيه من تحته الثرى ومن فوقه الندى، وسحاب منهم بالأرائك مستدر، ثم في هذا الزمان من زمنها يغني ذبابها (أي محصولها) ويدر حلابها (اللبن) ويبدأ في صرامها (جنى الثمر)، فبينما هي مدرة سوداء إذا هى لجة بيضاء، ثم غوطة خضراء ثم ديباجة رقشاء، ثم فضه بيضاء فتبارك الله الفعال لما يشاء، وإن خير ما اعتمدت عليه في ذلك يا أمير المؤمنين، الشكر لله عز وجل على ما أنعم به عليك منها، فأدام الله لك النعمة والكرامة في جميع أمورك كلها والسلام”.
ودخل مصر الكثير من الصحابة كثير، منهم الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصَّامت، وأبو الدَّرداء، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة وغيرهم.
في عام الرمادة- كما قال ابن كثير في التاريخ- والجوع والفقر يحاصران الأمة الإسلامية، كتب عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، لعمرو بن العاص حاكم مصر: واغوثاه.. واغوثاه.. واغوثاه. فقال عمرو بن العاص: والله لأرسلن قافلة من الأرزاق أولها فى المدينة، وآخرها عندي في مصر، فأرسل إليه بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدهن، وبعث إليه بخمسةِ آلاف كِساء.
وقد ذكر الكثيرون من المسلمين الأوائل وغيرهم من فضائل وصفات مصر وأهلها الكثير والكثير، وما يناله حاكمها من البركة والرزق والخير، وعاش فيها من الفقهاء والعلماء الكثير منهم: الليث بن سعد، والعز بن عبد السلام والإمام الشافعي، وابن حجر العسقلاني، والإمام الشاطبي، ووُلِد فيها عمر بن عبد العزيز (خامس الخلفاء الراشدين)، وجعفر المتوكل على الله من الخلفاء.
وقال كعب الأحبار: “من أراد أن ينظر إلى شبه الجنَّة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وأزهرت، وإذا اطَّردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنَّت طيرها”.
وقال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: “لولا رغبتي في الشَّام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟. قال: إني لأحبُّ مصر وأهلها؛ لأنَّها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها بسوء أكبَّه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه”.
قال أبو بصرة الغفاري: “مصر خزانة الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلِّها، وبها من الخير ما يكفي لإطعام الأرض كلِّها، ووصف الله مصر بكونها مبوَّأ صدق، قال الله تعالى: “وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ” (يونس: 93)، وأخبرنا أنها أرض مباركة، قال الله تعالى: “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا” (الأعراف: 137).
وقال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: “يا مصري أين تسكن؟. قلت: أسكن الفسطاط. قال: أتأتي الإسكندرية؟. قلت: نعم. قال لي: تلك كنانة الله، يحمل فيها خير سهامه”.
وقال يحيى بن سعيد: “جُلْت البلاد، فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه، إلا بالمدينة وبمصر”.
مصادر المقال : موقع بناء إنسان