خصوصية ليلة القدر
بقلم/ د. محمد العربي
سورة القدر مكية من سور المفصل وآياتها 5 آيات وترتيبها في المصحف 97 في الجزء الثلاثين وعدد كلماتها 30 وعدد حروفها 114.
بدأت بأسلوب التوكيد وفيها كثير من ملامح الإعجاز العددي منها أنها واحدة من أربعة سور ابتدأت بضمير العظمة (إنا) وهذه السور: الفتح، نوح، القدر، الكوثر.
وسميت باسم ليلة من الليالي العشر الأواخر في رمضان واشتملت علي عدة بشارات وخصائص منها: أن الله جعل تنزل القرآن الكريم في هذه الليلة، فقال سبحانه وتعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، ووصفها أيضاً بأنها (ليلة مباركة)، فقال: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة).
ويبلغ عدد الليالي الواردة في القرآن الكريم حوالي 65 ليلة، لم تحظ واحدة منهن بالتشريف بمثل ما حظيت به هذه الليلة.
والخاصية الثانية: أن الله جعل العبادة فيها أفضل من عبادة ألف شهر ليبسط مسألة العبادة ويشحذ الهمم ويعاملنا بما يرفع المعنويات التعبدية لدينا.
وتأتي الخصوصية الثالثة في تنزل الملائكة من السماء في هذه الليلة الكريمة.
ومنظومة الملائكة سائدة في النص القرآني وجاء الحديث عن عشرين نوعا من أنواع الملائكة، منهم العالين الذين لم يؤمروا بالسجود لآدم عليه السلام، قال تعالى مخاطبًا إبليس: (أستكبرت أم كنت من العالين).
وملائكة الرحمة والعذاب، بدليل حديث الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم تاب إلى الله عز وجل، فلما قبضت روحه اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب أيهم يقبضها ويرفعها، فقد جاء في قصته التي يرويها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ . وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ . فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ ) رواه البخاري (3740)، ومسلم (2766)
وملائكة السؤال (منكر ونكير)، والكتبة والحفظة (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وقبض الأرواح ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) والمصلين علي المؤمنين، والمصلين علي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
ويزداد الأمر شرفا في تنزل أمين الوحي جبريل عليه السلام (تنزل الملائكة والروح فيها).
وهو الذي رافق الأنبياء في دعواتهم؛ كان مع إبراهيم لما ألقي في النيران وكان مع موسي يوم الزينة وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة شق الصدر وكان مرافقاً له في رحلة التكريم الي السماوات العلا.
وكان مقاتلا مع المسلمين هو وطلائع الملائكة الأول في غزوة بدر الكبرى ولقد رأي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في موضعين عند سدرة المنتهي وبالأفق المبين وذكر جبريل عليه السلام في ثلاث مواضع في القرآن الكريم موضعين في سورة البقرة وموضع في سورة التحريم.
ووصفه الله بأنه قوي، وشديد القوي، ومكين، ومطاع، وأمين.. (ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين).
والخصوصية الرابعة أن الله جعلها (ليلة سلام) وأمن وأمان فقال سبحانه وتعالى: (سلام هي حتي مطلع الفجر).
والسلام لغة سائدة في النص القرآني وهو ذات مضمون رسالة الإسلام وجوهره وقد تحدث الله عن (السلام) في القرآن الكريم في 140 آية، ووصف نفسه بالسلام فقال سبحانه: (الملك القدوس السلام).
وجعل تحية أهل الإسلام (السلام) فقال لنبيه: (واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم)، وخاطب نبيه نوحا عليه السلام: (يا نوح اهبط بسلام)، وأثني علي إبراهيم في دعوته فقال سبحانه: (سلام علي إبراهيم).
ووصف الجنة بأنها (دار السلام) فقال سبحانه: (لهم دار السلام عند ربهم)، وأكد أن السلام هو خلق عباده المؤمنين فقال سبحانه: (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
فهذه (الليلة) أولها (قرآن)، وآخرها (سلام)، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم أولها (قرآن) وآخرها (سلام)، وحياة النبي وخلقه كان (القرآن) وآخر حياته كانت (سلاما) إلي من لم يره من أمته.
وأوجب الله علو المنزلة لأهل القرآن الكريم في الدنيا والآخرة إذ أنهم في الدنيا أهل الاصطفاء وفي الآخرة يقال لهم: اقرأوا وارتقوا فمنزلتكم في أواخر الآيات التي كنتم تقرأونها ويسبغ الله عليهم الفضل إذ يجعل مستقرهم دارا وصفت بأنها (دار السلام).