الوعي مطلب مجتمعي غير مُعقد
بقلم الدكتورة نجلاء الورداني
الرؤية المتعمقة لحقوق الإنسان والعدالة والمساواة فى النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبالتالي عدم قبول البناءات التى تمارس الظلم والطغيان على أفرادها، مطلب مجتمعي غير مُعقد، أطلق عليه الخبراء مصطلح “الوعي”.
وحقيقته تكمن في احترام الآخر والعمل معه والنظر إليه بوصفه إنسان أي أنه أحد أهم ضرورات السياسات الحقة والعمل السياسي الفاعل علي المستويين الفردي والجماعي لكونه “مجموعة من القيم والاتجاهات والمبادئ السياسية التي تتيح للفرد أن يشارك مشاركة فعالة في أوضاع مجتمعه ومشكلاته، بحيث يحللها ويحكم عليها ويحدد موقفه منها مما يدفعه إلى التحرك من أجل تطويرها وتغييرها”.
وهكذا، فالوعي السياسي هو الحالة التي يتمثل فيها الفرد أو أفراد المجتمع قضايا الحياة السياسية بأبعادها المختلفة ويتخذون من هذه القضايا موقفًا معرفيًا ووجدانيًا في الوقت عينه.
وتختلف التعاريف التي عرفت الوعي السياسي باختلاف الايديولوجيات التي تناولته فمثلًا ركزت الاشتراكية على العامل الاقتصادي ودور الطبقات في الإشارة إلى ماهية الوعي السياسي وتعريفه بحيث عرفه “لينين” بأنه “أكثر أشكال التعبير تركيزًا على الاقتصاد”، وهنا تدور السياسة حول مسائل الوضع الاقتصادي خاصة بالنسبة للطبقات التي تشكل المحور الرئيسي في الفكرة الاشتراكية.
ويراه “ماركس” وفقًا للعلاقات الاقتصادية وتأثيرها في السياسة، فيقول: “لقد أخفقت الفكرة دومًا بقدر ما كانت مختلفة عن المصلحة، وحمل الاختيار لصحة وواقعية الأفكار السياسية هو الصراع الطبقي والفعلي الذي يخاض وفقها”.
فالاشتراكية ركزت على الطبقة لكونها هي التي تشكل الوعي السياسي في داخل المجتمعات الإنسانية، أي أن الطبقة وحسب مصلحتها تنظر إلى الأمور وتحللها من زاوية مصلحة الأفراد التي تشكل تلك الطبقة الموجه لإفرادها.
هذه النظرة قد تغيرت في الوقت الراهن حتى بالنسبة لبعض الاتجاهات الاشتراكية، وعلى العكس تمامًا نرى أن الرأسمالية ركزت قضايا الوعي السياسي في ضوء إدراك الفرد لمصالحه المتمثلة في اقتصاديات السوق الحر والصحافة الحرة وحرية الرأي والتعبير.
ولهذا خُلق نوع من الوعي السياسي المنتج والمؤثر على كافة الأصعدة والقضايا التي تحدث في المحيط الغربي، والذي يمثل راعيًا رئيسًا لفكرة الرأسمالية، إلا أن ذلك لا يعني أن الفكرة الرأسمالية قد شكلت مجتمعًا إنسانيًا مثالياً.
فالبعد السلبي في هذه الفكرة يتضح من خلال إستلاب الإنسان ووعيه، وتعامل الآلة مع الإنسان من خلال إهماله عندما يستنفذ طاقاته في العمل.
وهكذا نجد أن للإيديولوجيات أثرها في تعريف الوعي السياسي وأن القول بأن دور الايديولوجية قد انتهى فيه نوع من الغموض والالتباس .
وختاما ووفقًا لما سبق نؤكد أن الوعي السياسي بمفهومه الواضح هو الحالة “التي يدرك بها الأفراد داخل المجتمع القضايا السياسية المختلفة دون شرط التأثير فيها”.
ولذلك فهو مطلب مجتمعي لخطاب سياسي أكثر وضوحًا وصدقًا وشفافية.