سألتنى صديقتى: لماذا الشمس لا يعيبها أحد؟
بقلم الدكتور أحمد عبد الرحمن
سألتنى صديقتى: لماذا الشمس لا يعيبها أحد؟ ولماذا يقبلها الجميع؟ قلت: لعدة أسباب، وهي:
أولها: أنها دائما تعلو بنفسها عن الاحتكاك بالناس، فتظل قيمة يحترمها الجميع، وسرا كلهم يتطلعون إليه، ومصدرا يقبسون منه.
ثانيا: أنها لا تحابى أحدا، ولا تجور على أحد، إنما توزع ضوءها وشعاعها على الجميع بالتساوى.
ثالثا: أنها تترك للناس حرية التعامل معها، ينتفع بها من يشاء، وقتما يشاء، كيفما يشاء، بالقدر الذى يحتاج.
رابعا: أنها تتواءم وتتواكب مع الأوضاع القائمة، ففى الصباح الباكر بصيص من نور، وفى الضحى أشعة وظهور، وفى الظهيرة حرارة وهجير، وبعد العصر حلم وهدوء، وعند المغرب صفرة وخشوع، ثم عند السقوط حمرة ودموع.
خامسا: أنها تتحرك بقدر محدود، ونسبة معدودة، فهى تسير بحسبان، تجرى فى مسارها، وتنتهى إلى مستقرها، ومن لزم حده ازداد حبه وضمن مجده.
سادسا: أنها دائمة العطاء لا تتوقف، فالتوقف يطفئ الوهج، والتردد يورث الفشل، والكسل يولد العجز، لكن الشمس تغرب هنا لتشرق هناك، تريح أقواما لينشط آخرون، وليستعد من فارقتهم لسعى جديد.
سابعا: أنها رغم جلالها وكمالها لم تستأثر بالفضل لنفسها، إنما تفسح المجال لأخواتها من النجوم ليساهم الكل معها فى خدمة الكون وتزيينه وتكميله، فإذا الكل: ” وعلامات وبالنجم هم يهتدون”.
ثامنا: أن كلمة شمس جمعت الحروف الشجرية التى تنتشر فى الفم، والحروف الهامسة التى فيها النفس، وصوت رخيم كوسوسة القمر، ثم الميم بينهما من الشفة، فأطبقت بين انفتاحتين، فجمعت بذلك بين انبساط الخلق وانقباضهم، لتكتمل طبيعتهم كبشر لهم أحوال وتغيرات.
تاسعا: أنها واضحة لا تعرف اللبس ولا الدجل، إنما طبيعتها الوضوح والصراحة، بل تكشف الدجل والتزوير، لذلك لما طلب السحرة الكاذبون المخادعون من موسى موعدا للمناظرة، واعدهم عند الشمس: “موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى”، فناظرهم يوم الفرح ، حيث اعتدال الأمزجة وهدوء الطبع، وناظرهم فى جموع الناس، لأنه واثق من حجته، وحتى يعطى أكبر فرصة لمراقبة الحدث من قبل النقاد، ثم هو وقت الضحى، حيث الشمس فى أجمل حالاتها، ليجتمع لهم جلاء الشمس، ووفرة العقول، واعتدال النفوس.
عاشرا: التدرج ومراعاة قدرات وطاقات المستقبل، فتبدو صغيرة، ثم تكبر فتتسع معها مدارك الخلق، ثم تصغر وتغيب، ليراجعوا حساباتهم ويجددوا نشاطهم، ويستجموا من حركتهم وتعبهم.
أى تربية حكيمة تلك التى تمارسها الشمس؟ فهل عرفت صديقتى لماذا الشمس؟ كونى شمسا تضمنين الحب والراحة والبقاء والتقدير .