علم اللغة الاجتماعي
بقلم الدكتورة/ نجلاء الورداني
تعد اللغة بلهجاتها المتعددة من أعظم الاكتشافات والاختراعات التي عرفها الإنسان وتوصل لها على مر العصور المختلفة؛ حيث نشأت باتفاق جمعي عفوي وغير مبرم مبسقًا نتيجة للمتطلبات المتواصلة للفرد والجماعة معًا.
فاللغة أحد أهم المكونات المؤثرة داخل المجتمعات كافة، تبقى ببقائها وتزول بزوالها، كما أنها محور الحيوات المتشعبة التي نشأت فيها وتقدمت معها، ونهضت بنهوضها، وركدت وتخلفت عن موكب الحضارات بركودها.
ولهذا لا يمكن فهم اللغة وقوانين تطورها بمعزل عن حركة المجتمعات الناطقة بها والمحتوية لها في الزمان والمكان، لكونها تشتمل على الفكر الإنساني وفعله وطرائقه الذهنية المتتالية. وفيها من العالم الخارجي بتنوعاته وأطيافه جميعها.
وهذه هي النظرة الاجتماعية التي أكدها عدد من العلماء فقال عنها العالم “رايموند فيرث”:
“لنبدأ نعتبر الإنسان ليس مفصولًا عن العالم الخارجي الذي يعيش فيه، إنه ليس إلا جزءًا منه .. فكلامك ليس مجرد تحريك اللسان أو اهتزاز في الحنجرة، إنه أكثر من ذلك نتيجة لعمل العقل في تأدية وظيفته كمدير للعلاقات، لتحفظ عليك سيرك في المحيط الذي تعيش فيه”.
ومن هنا؛ نشأ “علم اللغة الاجتماعي” Sociolinguistics وهو العلم الذي يدرس “اللغة في علاقاتها بالمجتمع، وينظم كل جوانبها وطرائق استعمالها التي ترتبط بوظائفها الاجتماعية والثقافية داخل المجتمعات”.
ولذا، تنوعت التسميات التي يتفق بعضها في المضمون بشكل كبير أو آخــــر مع “علم اللغة الاجتماعي”، ولكنها تختلف في المنطوق مثال علم اجتماع اللغة أو علم الاجتماع اللغوي “The Sociology of language” وعلم الأنثروبولوجيا اللغوية “Linguistic Anthropology” . وغيرها من التخصصات التي ارتبطت بالعديد من الموضوعات المختلفة لتأثير اللغة في حياتنا وتفاعلاتنا اليومية.
ومن ثم، وبعد ما سبق، لا يسعنا أن نتحدث عن أهمية اللغة العربية في واقع حياة شعوبها إلا من خلال المقولات التي قيلت عنها بلسان غير شعوبها، فجاءت أقوال المستشرقين عنها لتؤكد أهميتها ودورها الفاعل، فيتحدث “إرنيست رينان” عن خصائص ومميزات العربية قائلًا:
“من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمة من الرُحّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها، ولم يُعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة”.
بينما يوضح الفرنسي “جاك بيرك” دورها في بقاء شعوبها بقوله:
“إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية، بل اللغة العربية الكلاسيكية الفصحى بالذات، فهي التي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا، إن الكلاسيكية العربية هي التي بلورت الأصالة الجزائرية، وكانت هذه الكلاسيكية العربية عاملاً قوياً في بقاء الشعوب العربية”.
وعبر الفرنسي “ريجي بلاشير” عن قدرة اللغة العربية بقوله:
“إن من أهم خصائص اللغة العربية قدرتها على التعبير عن معانٍ ثانوية لا تعرف الشعوب الغربية كيف تعبر عنها”.
وفي الختام لا أجد أفضل من مقولة “وليم مرسيه” كوصفًا متميزًا للعبارة العربية بأنها:
” كالعود إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تحرك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكبا من العواطف والصور”.