كتبت – د. نادية النشار:
عقدت مكتبة مصر العامة مساء أمس على كورنيش الجيزة ندوة حول الفنان محمد منير من خلال مناقشة أحدث كتاب قدمته الناقدة الموسيقية الدكتورة إيناس جلال الدين.
صدر الكتاب هذا الشهر عن سلسلة طيوف للنشر والتوزيع بعنوان: محمد منير حالة عشق سمراء في وجدان العالم.
شارك فى الندوة د. وليد شوشة عميد المعهد العالى للنقد الفني بالإسكندرية، والملحن حسن دنيا، وأدار الندوة الإعلامى عمرو الشامي.
قال الشاعر الإذاعي السيد حسن رئيس لجنة حماية اللغة العربية في اتحاد كتاب مصر والمشرف الأدبي على سلسلة طيوف: إن هذا الكتاب يشكل أهمية كبيرة، من ناحية الموضوع فمحمد منير حالة فنية وجدانية عميقة.
أما المؤلفة، فهي ناقدة موسيقية شديدة التميز، دقيقة اللفظ، جمعت بين النقد الموسيقى والعمل الإعلامي الموسيقي المتخصص، ولديها ذائقة فنية واعية ومستشعرة رغبات الجمهور و احتياجاته.
وقالت د. إيناس جلال الدين: المُتأمل في واقع الأغنية المصرية بعد حرب أكتوبر عام 1973م وما تلاها من أحداث على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عما شهدته الساحة الفنية عامة والغنائية بصفة خاصة، من غياب الأصوات التي كانت تمثل معالم الخريطة الغنائية المصرية والعربية، أقول إن من يتأمل واقع الأغنية عقب هذه الفترة يدرك أنها كانت قد دخلت إلى مأزقٍ كبير، وكان لابد من محاولات جادة للخروج من هذا المأزق؛ لأن البديل معناه السقوط في هوة أغنية ما بعد الحروب الكبرى، على نحو ما حدث عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية.
لذلك بدت الساحة مهيئة لأغنية بديلة، ولم يكن أحدٌ يستطيع التنبؤ بماهية هذه الأغنية، ولا بالشكل الذي يمكن أن تكون عليه.
هل تسترد بعض ملامح الكلاسيكية وتسير عليها؟ أم تتجه إلى التواصل مع الأغنية الغربية بصورة من الصور؟ أم تعكس التشوهات التي شابَت الذائقة الثقافية بعد الارتباك الكبير في خريطة الطبقات والفئات الاجتماعية المصرية؟
جاء محمد منير في هذ اللحظة الحرجة كحل سحري ومَخرج شديد المصرية، شديد العصرية في آنٍ معاً من ذلك النفق المظلم الذي دخلت إليه أغنية ما بعد السبعينيات.
صحيح أنه كانت هناك تجارب أخرى موازية في هذه المرحلة ذاتها، ربما تكون أسطعها تجربة علي الحجار، كما تجلت مثلاً في مجموعته (قلب الليل)، أو تجربة محمد الحلو، أو حتى هاني شاكر، إلا أن كل تجربةٍ من هذه التجارب كانت أكثر التصاقاً بالأغنية الكلاسيكية بدرجات متفاوتة،
أما تجربة محمد منير، والتي قُدّر لها أن تمتزج بتجارب ملحنين وكُتاب جدد يبحثون هم أيضاً عن أغنية مصرية بديلة، ويستظلون أحياناً بالتجارب الشعرية الكبرى، لا سيما تجربة العملاق فؤاد حداد، كانت تمثل أغنية شديدة السطوع في مُغايرتها وفي أصالتها في الوقت ذاته.
وكان من المدهش أن تتلاقى ألحان أحمد منيب وموسيقى فتحي خليل وصوت محمد منير على طريق هذه الصيغة الغنائية المتفردة.
فإذا أضفنا إلى ذلك كله أن محمد منير جاء مُحملاً بتلك الخصوصية الشديدة التي منحته إياها جذوره النوبية النابضة بكل تفردها الفني والاجتماعي، وجدنا أن أغنية محمد منير كانت هي الأعلى صوتاً في ساحة الغناء البديل، فضلاً عن قدرتها المذهلة على التوافق مع ذوق الجيل، وتلبية رغبته الجامحة في امتلاك أغنية تعبر عنه بطريقة جديدة تصله بجذوره المصرية وتمد الروابط بينه وبين غناء العالم.