بقلم: أ.د. عبدالغنى الغريب
الاستاذ بجامعة الازهر الشريف
كم من إنسان دامت علاقتك به لسنوات،ثم انقطعت بسبب موقف أو موقفين؟ سل غيرك صديقا كان أو زميلا: ما سبب انتهاء العلاقة بينك وبين أحد الناس؟. سيذكر لك سببا أو سببين. علاقة دامت لسنوات تقطع في لحظات.
إن الله تعالى يريد منا أن نحكم على الناس من خلال فترة زمنية متطاولة نعيشها معهم، نرصد فيها حسناتهم مع سيئاتهم، فإن غلبت الحسنات تغاضينا عن السيئات. هذا هو منطق رب العزة مع خلقه، يزننا بحسناتنا وسيئاتنا، ويتغاضي عن السيئات طالما كثرت الحسنات.
( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون . ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون). بل إن الله تعالى يتغاضى عن الصغائر طالما اجتنبت الكبائر، وهذا ما ينبغي أن نتعامل به مع أصدقائنا وزملائنا وجيراننا ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم). بل إنه يمحو بالحسنات السيئات.
\( إن الحسنات يُذهبن السيئات). وقد سار الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المنهج معلما ايانا فقال لنا: وأتبع السيئة الحسنة تمحها…وفي أحاديث كثيرة : الحسنات تمحو السيئات، والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وصيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء، كل هذه عوامل يمحو الله تعالى بها السيئات.
والسلف رضوان الله عليهم ساروا على نفس المنهاج، وزنوا الناس بحسناتهم، وترجموا لهذه القيمة العظيمة، قيمة وزن الناس بحسناتهم. ولذلك قال سعيد بن المسيب : ما من عالم ولا شريف، ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس مالا ينبغي أن تذكر عيوبهم، فمن زادت حسناتهم عن سيئاتهم، ذهبت سيئاتهم لحسناتهم. والإمام الذهبي يقول : الكبير من أهل العلم إذا كثر صوابه، وتواضع للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاوه، وعُرف ورعه وصلاحه، تُغوضي عن سيئاته، وتُنوسيت ذلاته.
إن منطق رب رب العالمين يعلمنا أن نخرج من دوائر أنفسنا الضيقة، ومن حساسيتنا المحدودة، ومن النظر إلى ذواتنا نظرة ضيقة نخسر فيها الكثير لحساب إبليس، لا لحساب القيم الإسلامية الرفيعة…
ولذلك رحم الله من تغافل لأجل بقاء ود.ٍ، وقد ستر ذنبا، فنقاء القلب ليس عيبا، والتغافل ليس غباء، والتسامح ليس ضعفا، والصمت ليس انطواء بل هي تربية وعبادة.