اخلعيني.. اخلعيني!
بقلم د. نجلاء الورداني
«الخلع».. قانون يطبق في عدة دول منها مصر، وقد صدر عام 2000 وطبقًا فعليًا عام 2001 ميلاديًا ، ونصه أن من حق الزوجة تطليق نفسها بشرط أن تعيد ما أعطاها الزوج من مهر شريطة أن يكون الزوج دون عيوب أو دون أن تصدر منه إساءة إليها، ولكن في حالة إذا كانت الزوجة متضررة من الزوج يعطيها حقوقها كافة.
هذا هو قانون الخلع، ولكن قصتنا هنا تحكي عن شيئًا مختلف تامًا، فداخل قاعات المحاكم نساء ورجال يقفون أمام بعضهم البعض في تعنت وبغض ليس له مثيل ومحامون شغلهم الشاغل مثل هذه القضايا،
وبسؤال المحامين تبين أن حالات الخلع داخل المحاكم المصرية تزداد يومًا بعد يوم بطريقة تهدد أمن المجتمع المصري واستقراره الأسري، فزوجات تعرضن لما لا تتحمله طبيعة البشر وتطيقه النفس الإنسانية تارة من أجل الحفاظ على بيوتهن وأخرى لحماية أولادهن من التشرد والتفكك الأسري.
ولكن يقف أمام ذلك أزواج لا يهدأ لهم سريرة فدائما يرددون كلمة “اخلعيني” ليهربوا بها من مسئولياتهم أو للزواج بأخرى، أو لفرض رأي و هذه حياة بلا شك تخالف سُنَّة البشر التي فطر الله عباده عليها.
فهذا حال زوج يتزوج ويفعل ما تهوى له نفسه من محرمات، زوج يدخل بيوت الناس ويطلب بناتهم بمبادئ وقصص وحكايات ليس لها وجود في الواقع.. يكذب ويدنس ويتزوج، فتكتشف الزوجة بعد الزواج الطامة الكبرى، وحين تطلب الطلاق يرد عليها والغلظة تملأ كلماته: “اخلعيني”!
وهنا تقف الزوجة حائرة أمام تقبل الوضع لاسيما لو كانت تحمل بين أحشائها طفلا من هذا الزوج، أو أن ترفضه وتخسر كل حقوقها.
وتجدر بنا الإشارة إلى أن كثيرا من هذه الحالات تكون فيها أم الزوج داعما رئيسيا للزوج في عدم إنهاء الزواج بالحسنى، وإعطاء الزوجة حقوقها حيث تقر كلام ابنها تارة وتارة هي التي تحدد له المسار بقولها: “دعها تلجأ للمحاكم.. عندها الخلع”.
وهنا نقص حكاية أم تساند ولدها في كل ما تهواه نفسه فتكذب بكذبه وتخرب البيوت بأمره، وحين تلجأ إليها الزوجة كأم لها تدافع عنها وتقف لها موقف شهادة حق، تنقلب كالذئب الذي يدبر المكائد لفرائسه،
وأخرى تطلب من طليقة ابنها الأولى أن تتطلق من زوجها الثاني وتحمل أبناءها وتعود لولدها الذي لم ينجب نكاية في زوجته الثانية!
لكن، كيف لزواج حمل الكذب منذ بداياته أن يثمر حياة سعيدة؟ وكيف لأم بهذه الشخصية أن تعيش بين البشر وقد ارتضت أن تهدم أسرتان وتشرد أبناء لتعزز حياة ابنها المريض ونست كينونتها كامرأة هل لها تقبل أن يفعل أحد بأبنائها مثل ما تفعل؟
هل ترتضى أن تحرم هي من أبنائها أو أحفادها؟
ومن حكاية لحكاية ننتقل إلى أم تغار على ولدها “ابني الوحيد، دا واد على أورطة بنات” فتجدها تختار له زوجته وشقته وعفشه، كما تجدها ترفض تدخل خطيبته أو زوجته في شئون حياتهما فتجلس لهما بالمرصاد تختار وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة، لا تتركهم ليعيشا حياتهما كما يريدها الله لهما وتهواها أنفسهما، فتارة تتصيد للزوجة أخطاء جرت عليها طبيعة الحياة اليومية فمن منا بلا خطيئة؟
ومرات تتدخل في طريقة إدارتها لبيتهما حتى وصل الأمر إلى طبيعة أكلهما ونوعياته!
عزيزتي الأم اتركي مساحة لأبنائك يحيون كما يريدون لقد عشتي حياتك كما تهوين فلماذا التدخل والتحشر فيما لا يعنيك؟
عزيزتي الحمى تذكري أن لديك ابنة، هي الأخرى زوجة لرجل غير ولدك، تذكري حفيدتك، تذكري أنك كنت زوجة لابن في يوم ما، وأن هذا الابن لديه أم تركتك تعيشين حياتك حتى أصبحت أما وحماة بل جدة.
ومن أم الزوج ننتقل إلى أم الزوجة والتي لا تقل هي الأخرى عن ما سبق، فما أكثرها من بيوت هُدّمت من جراء تدخل أم الزوجة في حياة ابنتها، ولكن التدخل هنا يكون مستترا على عكس أم الزوج فتدخلها واضح وقوي،
ولا ننسى أن الأم قد تكون هي هي فيختلف دورها طبقًا لقرب الزوج أو الزوجة منها، فإذا كانت أما للزوجة يكون تدخلها مستترا أما إذا كانت أما للزوج فيكون تدخلها واضحا وقويا، ويرجع هذا إلى أن الأم يهون عليها خراب بيت ابنها عن بيت ابنتها، فهي تدافع عن بيت ابنتها بقبضة من نار حتى وإن كان لها اليد في دماره، وغالبًا ما يكون هدفها واعتقادها هنا هو الحفاظ على بيت ابنتها وترسيخ قوامها كزوجة وسيدة لبيتها على عكس تصرفها مع زوجة ابنها، فهدفها هنا هو فرض سيطرتها وتقييد حدود الزوجة، مما يجعل الزوجة في كثير من الأحيان تنجب أكثر من اللازم وبصورة متتالية دون هدنة لإثبات وجودها وحضورها داخل بيتها ومنزلها.
ولا ينفي ما سبق أن هناك بيوتا هدمت بسبب تدخل أطراف أخرى في الحياة الزوجية سواء الأهل أم الأصدقاء أم الأقارب، حتى وصل الأمر إلى أن السوشيال ميديا أصبحت مكونا مهما من مكونات وعناصر انهيار البيوت داخل الأسر المصرية،
فهذا زوج يقضي ليله نهاره على مواقع التواصل الاجتماعي يجالس هذا ويخاطب هذه حتى وإن كانت حوارات بناءة فانشغل عن بيته وحياته الزوجية، فصارت الخلافات بينه وبين زوجته، وصار البعد والجفاء بينهم يزداد يومًا بعد يوم فطلبت الطلاق لهجره لها فقال قولته الشهيرة: “اخلعيني”!
وهذه زوجة نشرت بوست على الفيس أثناء خلافها مع زوجها أو أحد من أهله فظن نفسه أنه المراد بالبوست وبدأت مشكلات لا حصر لها انتهت “بطلقني” فرد عليها بقوله “اخلعيني” لاسيما في ظل تعليقات ومشاركات الآخرين سواء من الأهل أو الأصدقاء مما يزيد الأمر التهابًا ونارا،
وهذه زوجة نشب بينها وبين زوجها أو خطيبها خلاف فحكى لأهله، فما كان من أخته سوى نشر خلافهما على الفيس أو مشاركة أخيها بوست تلوم فيه زوجته أو خطيبته، فنشأ الخلافات وربما انتهى الأمر بفسخ الخطبة أو تحول الزواج لجمرة من نار فينتهي بجملة “طلقني” .. “لا، بل اخلعيني”!
وصدقًا لا يختلف في حكاياتنا هذه المسلم عن المسيحي.
لكن الحياة الزوجية رباط مقدس له خصوصيته وقدسيته.
نعم، قد تكون صعبة في أحيان كثيرة ولكنها ذات لذة وسعادة لا أحد ينكرها، قد تعصف بها الرياح في أوقات متعاقبة ولكن من أراد لها الاستمرار ستستمر.
فقط، أغلقوا أبواب بيوتكم عليكم، وتعلموا أن الحياة الزوجية أسرار ينبغي ألا يعلمها أحد قط سوى الزوج والزوجة فهما الشريكان وهما من يحق لهما التصرف حيال أسرارهما.
تعلم أيها الزوج أن بيتك هو حصنك الذي تبنيه لنفسك ولمن أراد لهم الله أن يكونوا تحت رعايتك، فكن خير راعٍ لهم.
تعلم أن بيتك أمانك وأمانهم فلا تفسده بالسماح لأحد بالدخول والخروج فيه كيف ما يشاء ووقت ما يشاء.
وتعلمي أيتها الزوجة أن بيتك هو مملكتك فلا تتركي ثغرة لأحد ينفذ منها ليهدمها أو يجلس على عرشها.
لا بد لنا أن نتعلم جميعا أن البيوت أسرار وليجلس كل منا في بيته محافظا عليه وليدع الآخرين في بيوتهم أحرارا يديرونها بذواتهم كما يشاءون.