دور المرأة الفلسطينية في العمل الاجتماعي
د. منى محمد حسن بركات
يقول نابليون بونابرت: “المرأة التي تهز السرير بيمينها، تهز العالم بيسارها”، هذا هو الوصف الحقيقي للمرأة الفلسطينية التي أنحني إجلالا لها.
المرأة الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني هي نواة الأسرة وحجر الأساس وأهم فرد في الأسرة الفلسطينية؛ فهي الأم والأخت والزوجة ورفيقة الكفاح والأسيرة والشهيدة. هي صاحبة الرسالة الأقوى في العالم، والمثال الأول لنساء العالم العربي. هي التي تقدم روحها وروح أحب الناس إلى قلبها فداء للوطن. هي المرأة المتميزة في كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والنضالية؛ فالكثير من النساء في المجتمع الفلسطيني عملن جاهدات من أجل بناء الوطن وخضن تجربة الكفاح والنضال والعمل الوطني، وشاركن بقوة في العمل الاجتماعي؛ فشكلن بذلك أسمى معاني العطاء والتضحية والصمود والتميز الفكري .
فالمرأة الفلسطينية مضت وتمضي في طريق التعليم بخطوات واثقة لا تنظر للخلف بتاتا، بل تتقدم بكل قوة إلى الأمام لتخلع عنها كل ما عُلِّق بها من معتقدات خاطئة عبر السنين وما فُرض عليها من قيود؛ مؤمنة بحقوقها كافة وعلى رأسها التعليم وريادة المجتمع؛ حقوقها التي حفظتها لها كل الشرائع السماوية.
منذ منتصف السبعينات، بدأت الأسر تتجه نحو تعليم فتياتهم تعليمًا عاليًا بإلحاقهن بالجامعات بعد أن كانوا يكتفون لهن بحصولهن على الشهادة الثانوية. ويرجع السبب وراء هذا التغير: أن المرأة أصبحت مطلوبة في سوق العمل، وأن الحالة الاقتصادية قد ساءت في الضفة الغربية وقطاع غزة، فترسخت فكرة أن الفتاة المتعلمة تكون مرغوبة للزواج أكثر من غيرها، وأنها أكثر قدرة على تحمل نفقاتها ونفقات أسرتها في حالة عدم زواجها.
المرأة الفلسطينية مضت وتمضي في طريق ريادة العمل الاجتماعي؛ حيث لها تاريخ طويل من المساهمات في حركات النضال الاجتماعية؛ في الأراضي المحتلة وفي دول الطوق: مصر والأردن وسورية ولبنان؛ وذلك من خلال تأسيس العديد من المؤسسات القومية لنصرة المرأة الفلسطينية منها: الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية؛ بفروعه المتعددة في الضفة الغربية وغزة وكل دول الشتات.
الصراع العربي الإسرائيلي انعكس سلبياً على حياة المرأة الفلسطينية. ففي أعقاب النكبة 1948، تم تهجير وتشريد الملايين من النساء وغالبيتهن ما زالن لاجئات. وكان للإجراءات التي تتخذها القوات الإسرائيلية تأثيرها على الأمان الجسدي والنفسي والصحي والتعليمي والاقتصادي لكل الشعب الفلسطيني وبخاصة المرأة الفلسطينية.
وعلى الرغم من قلة عدد المقاتلات الفلسطينيات، إلا إن النساء يتلقين من السلطات الإسرائيلية النصيب الأكبر من الأذى؛ فعانين من الخوف الشديد وفقدان الأمن ونوبات الغضب وغيرها من الاضطرابات بسبب الممارسات القمعية الإسرائيلية.
خلال تاريخ الحروب الممتد من عام 1948 إلى 2020 قامت القوات الإسرائيلية باستهداف وإذلال النساء الفلسطينيات ضاربين عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. وعلى سبيل المثال جاء في تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 17 ديسيمبر 2014 بعنوان “جرف الزهور” والذي وثق معاناة النساء الفلسطينيات خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014: أنه راح 489 امرأة ضحية للعدوان الإسرائيلي عام 2014. وخلف هذا العدوان 11,314 من الإناث المشردات في مدارس الإيواء. ومن منحى قانوني، فإن هذه الممارسات هي انتهاك للقانون الدولي الإنساني وبخاصة اتفاقية جنيف 1949 والبرتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1977. فالمادة (76) من البرتوكول الإضافي الأول تنص على: “يجب أن تكون النساء موضع احترام خاص”. أما المادة (17) فتؤكد على: ضرورة نقل النساء من المناطق المحاصرة. وبالرغم من هذه الاتفاقيات، فإن إسرائيل تضرب بها عرض الحائط مرتكبة أفظع الانتهاكات ضد الفلسطينين بشكل عام والنساء بشكل خاص.
وإذا كانت المرأة الفلسطينية على مدار سنوات طوال قد واجهت ما واجهه أبناء الشعب الفلسطيني كافة منذ الانتداب البريطاني حتى الاحتلال الإسرائيلي من تشريد وتهجير ونزوح، فإن كل واحدة من نساء فلسطين اختارت شكلاً من أشكال العمل الاجتماعي والعمل النضالي لتكون خير سند للرجل وصانعة رجال المستقبل، ولعلنا في هذا اليوم نذكر مجموعة من السيدات الوطن الفلسطينيات اللاتي أثرين كافة مجالات العمل النضالي والوطني والاجتماعي.
الخطيبة مي زيادة: هي الخطيبة الأولى في العالم العربي، حيث اشتهرت بقدرتها على الخطابة الرائعة في الأندية والمحافل فامتلكت قلوب مستمعيها بصوتها العذب، هي من مواليد الناصرة عام 1886 كانت شغوفة بالقراءة والكتابة وأتقنت اللغتين الإنجليزية والفرنسية، هاجرت مي إلى القاهرة عام 1911 مع والدها الذي أنشأ في مصر جريدة “المحروسة” فبدأت بكتابة المقالات الأدبية باللغة العربية، وعام 1914 عقدت صالونها الأدبي الذي أصبح أشهر صالون أدبي في القاهرة، ونشرت 13 كتابا، وتوفت عام 1941.
الإعلامية فاطمة البديري: هي أول امرأة عربية تبث صوتها عبر إذاعة “هنا القدس” عام 1946 إلى جانب زوجها عصام حماد، ولدت فاطمة عام 1923 في القدس، عملت في حقل التعليم عام 1946 ثم انتقلت إلى العمل الإعلامي وكانت تقدم البرامج الثقافية بالإضافة إلى نشرات الأخبار، وتوفت عام 2009
المصورة كريمة عبود: هي أول مصورة فلسطينية، مارست مهنة التصوير عام 1913، هي من مواليد الناصرة عام 1894، تعلمت حرفة التصوير لدى أحد المصورين الأرمن في القدس، وكان والدها قد أهداها آلة تصوير فأخذت تلتقط الصور للمدن والأماكن الطبيعية والمعالم التاريخية، ثم افتتحت استديو لتصوير النساء في بيت لحم ما أتاح للعائلات المحافظة تصوير النساء بلا حرج، فكان لكريمة الدور الكبير في تلك المهنة الدخيلة على المجتمع العربي الشرقي خاصة في ظل عدم تقبل الكثير من العائلات هذا الاختراع الغريب، وتوفت في أواخر الستينيات تاركة مئات الصور التي تجسد مرحلة هامة في تاريخ فلسطين الحديث.
سميرة عزام: هي رائدة القصة القصيرة، ولدت في مدينة عكا عام 1927، درست اللغة الإنجليزية وآدابها، ونشرت سلسة من المقالات في صحيفة فلسطين، نالت عزام جائزة القصة القصيرة في بيروت، وقامت بتأليف خمس مجموعات قصصية وأكثر من 12 كتابا مترجما إلى العربية.
الرائدة مها أبو دية: هي مديرة أول مركز يقدم المساعدة القانونية للفلسطينيين في السجون الإسرائيلية “كويكرز للخدمات القانونية”، وواحدة من أبرز الناشطات العربيات اللواتي أسهمن بقدر كبير في دفع حركة حقوق الإنسان، ولدت عام 1951 في القدس، وعرفت بنشاطها الكبير في المجال النسوي، وعملت على تأسيس مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي عام 1991 وهو مركز يهتم بالقضايا الاجتماعية للمرأة الفلسطينية وكان الملاذ الآمن للنساء المعنفات، وقد نالت جائزة “امرأة العام” في العام 2002، وتوفت عام 2015.
الرائدة يسرى البربري: هي أول فتاة جامعية من قطاع غزة، ولدت عام 1923 في مدينة غزة، شاركت شباب غزة في المظاهرات ضد الانتداب البريطاني وفي المظاهرات التي كانت تنادي بإلغاء وعد بلفور ووقف الهجرة اليهودية ومصادرة الأراضي الفلسطينية ووقف الاستيطان، بدأت حياتها في حقل التعليم وأصبحت قائدة اجتماعية وسياسية وتربوية في القطاع؛ مما أهلها لأن تكون واحدة من 8 نساء فلسطينيات ضمن ألف امرأة في العالم رشحن لنيل جائزة نوبل للسلام عام 2005، وتم تقليدها وسام “نجمة القدس” عام 2009 في افتتاح المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وتوفت عام 2009 .
السيدة هند الحسيني: هي أول امرأة فلسطينية تنشئ مؤسسة تعنى بالأيتام بعد حرب عام 1948، هي من مواليد القدس عام 1916، درست آداب اللغتين الانجليزية والعربية عام 1938، وعام 1945 تركت مهنة التعليم وبدأت مرحلة العمل الاجتماعي التطوعي حيث أنشأت جمعية التضامن الاجتماعي النسائي في القدس، وقامت هند بجمع 55 طفلا وطفلة من أيتام دير ياسين فيها، ورغم أنه لم يكن معها سوى 138 جنيها فلسطينيا إلا أنها آلت على نفسها أن تعيش معهم أو تموت معهم؛ فكانت من هنا بداية تأسيس دار الطفل العربي عام 1948، ولتجربتها ودورها في رعاية الأيتام وتأسيس المدرسة حصلت هند على وسام (أديلاي دستوري) التقديري الإيطالي للسيدات الرائدات في العالم عام 1980.
الرائدة زليخة شهابي: هي أول من شكل أول اتحاد نسائي فلسطيني بهدف مناهضة الانتداب البريطاني، وأول من قادت مظاهرة نسائية احتجاجاً على اعتقال عدد من قادة الثورة الفلسطينية، هي من مواليد القدس عام 1903، شاركت في تأسيس الاتحاد النسائي العربي، وأنشأت مستوصف الاتحاد النسائي للعناية بالحوامل، ومركزاً لرعاية الأطفال، ومركزاً لتعليم التطريز والخياطة للفتيات، توفت عام 1992.
المناضلة فاطمة برناوي: هي من أوائل الفلسطينيات اللواتي خضن العمل الفدائي المسلح منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، وهي أيضا اول أسيرة تسجل رسميا في سجلات الحركة النسوية في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهي المؤسسة للشرطة النسائية الفلسطينية عام 1994، هي من مواليد القدس عام 1939، اعتقلت عام 1967 بعد وضعها قنبلة في سينما صهيون في القدس، وحكم عليها آنذاك بالسجن المؤبد لكنها لم تمض في الأسر سوى عشر سنوات فأفرج عنها في 1977م؛ كإجراء وصفته إدارة السجون ببادرة “حسن نية” تجاه “مصر”، لكن تم ابعادها عن الأراضي المحتلة بسبب مواصلتها نضالها بعد تحررها .
الشاعرة فدوى طوقان: هي أول امرأة ناضلت بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وهي من مواليد نابلس عام 1917، كانت عائلتها تعتبر أن مشاركة الأنثى في الحياة العامة أمراً غير مقبول فقامت بتثقيف نفسها بنفسها وبمساعدة شقيقها الشاعر ابراهيم طوقان الذي نمى موهبتها ووجهها نحو كتابة الشعر وشجعها على نشره في عدة صحف عربية، وبعد نكسة عام 1967 خرجت طوقان من قوقعتها لتشارك في الحياة العامة في نابلس، وكرست حياتها للشعر والأدب وأصدرت العديد من الدواوين والمؤلفات، وشغلت عدة مناصب جامعية، وتوفت 2003.
الرائدة سميحة خليل: هي واحدة من رواد الحركة الوطنية الفلسطينية، وتصدت بأساليب متعددة لسياسات الاحتلال وقمعه الجائر، وهي أول من عملت على تأسيس جمعية إنعاش الأسرة عام 1965، وقامت بتأسيس جمعية الاتحاد النسائي العربي في البيرة، ولدت سميحة خليل في قضاء طولكرم عام 1923، لعبت في فترة حياتها دوراً واضحاً في عملية النضال الوطني، وقامت بتمثيل المرأة الفلسطينية في العديد من المؤتمرات الدولية، وساهمت بصورة فاعلة في مواجهة الظلم الاجتماعي الواقع على النساء الفلسطينيات من خلال تقديم الدعم لهن عبر مؤسسات وجمعيات، كما خاضت معركة الانتخابات الرئاسية عام 1996 كمنافسة وحيدة للزعيم الراحل ياسر عرفات .
الشاعرة رحاب كنعان: تلقب بـ “خنساء فلسطين” حيث فقدت أكثر من 54 شخصاً من عائلتها في مجزرتي تل الزعتر وصبرا وشاتيلا، ولدت في بيروت عام 1959 بعد أن هاجرت عائلتها من صفد عام 1948، ناضلت بشِعرِها قمع الاحتلال وممارساته، وقد فقدت ابنتها في مجزرة صبرا وشاتيلا وظنت أنها استشهدت، لكن بعد 22 عاما من الحرمان، التقت الأم بابنتها على الهواء مباشرة عبر إحدى الفضائيات، عادت كنعان إلى فلسطين مع رجال منظمة التحرير الفلسطينية وأقامت في غزة .
الفنانة أمية جحا: هي أول رسامة كاريكاتير في فلسطين والعالم العربي، ولدت في مدينة غزة عام 1972، صنفت من قبل الجانب الاسرائيلي بأنها إرهابية وعدوة للسامية وتم منعها أمنيا من دخول الضفة الغربية، شاركت في العديد من المعارض المحلية والعربية والدولية، فازت بجائزة الصحافة العربية لأفضل رسم كاريكاتير نُشر عام 2000، وأيضا فازت بالمرتبة الأولى على محافظات الوطن بالكاريكاتير في مسابقة الإبداع السنوي التي أقامتها وزارة الثقافة الفلسطينية عام 1999 .
أخيراً هناك الكثير من النساء الفلسطينيات اللواتي يصعب حصرهن ممن لهن الدور الكبير على كافة الأصعدة وخاصة في النضال الوطني والعمل الاجتماعي عبر التاريخ الفلسطيني فلابد أن نحتفي بهن ونقدر كل امرأة تعمل على بناء الوطن وتصنع رجال المستقبل .