إنه القرآن واحة الإسلام وحدائقه الغناء
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
شهر رمضان هو شهر القرآن، يرتبط اسمه باسم القرآن لأنه نزل فيه في ليلة عظيمة يفرق فيها كل أمر حكيم. إنها الليلة التي التقت فيها السماء بالأرض، وتنزلت فيها الملائكة ليحملوا البشرى العظيمة إلى البشرية بإنزال آخر الكتب الإلهية التي تحمل إلى الناس هداهم وتيسر لهم سبل الوصول إلى صراط الله المستقيم. ليلة يتيه الزمان بها على كل الليالي وفي زمان لم ير التاريخ مثله جمالاً وبهاء ويقينًا. في رمضان وفي ليلة من لياليه العظام وفي لحظة من لحظات الزمان التي لن يجود الزمان بمثلها فتحت أبواب السماوات عن النور المبين، عن كلام رب العالمين يتنزل على قلب أعظم رسول وأجل نبي. في تلك الليلة المباركة أذن الله تعالى لجبريل أمير الوحي أن يأتي إلى ابن عبدالله محمد صلى الله عليه وسلم بديباجة حمراء في أولى كلمات الوحي المقدس ليتلوها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو ليس بقارئ، قال له جبريل اقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ، فكرر عليه جبريل عليه السلام الأمر ثلاثًا: اقرأ… قال ماذا اقرأ؟ قال: «اقرأ باسم ربك الذي خلق(1) خلق الإنسان من علق(2) اقرأ وربك الأكرم(3) الذي علم بالقلم(4) علم الإنسان ما لم يعلم(5)» (سورة العلق). إنها البداية العظيمة الجليلة لشريعة عظيمة جليلة، ولرسول عظيم جليل. نبي أمي لم يختلف إلى معلم ولم يخط حرفًا واحدًا، ولم يقرأ كلمة واحدة يأتي بكتاب يتحدى الله تعالى به الإنس والجن وبلغاء العرب وفصحاءهم، قال تعالى تأكيدًا على أمية الرسول صلى الله عليه وسلم التي سوف تأتي على يديه معجزة القرآن الذي انطوت فيه هدايتان، هداية الدلالة وهداية التمكين، أما هداية الدلالة فقوله سبحانه وتعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان» (البقرة 185)، فمن أقبل على هداية الدلالة، وأحلها المقام الذي تستحقه أفاض الله تعالى عليه بهداية التمكين في قوله تعالى: «ألم(1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين(2)» (البقرة).
فهؤلاء ما بلغوا درجة المتقين إلا بعد أن أقبلوا على هداية الدلالة وواصلوا المسير عليها لبلوغ الغاية التي يرجونها، والهدف السامي الذي يسعون إليه وبذلك جمعوا الحسنيين أو الحسنتين، هداية الدلالة وهداية التمكين ومن هؤلاء ذلك الإنسان الذي تحدثت عنه سورة (الإنسان) في قوله تعالى: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورًا(1) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا(2) إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا(3)»، فلما أقبل على هداية الدلالة وتشبث بها أقبل الله تعالى عليه بالعطاء والتمكين فصار من عباده الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورًا، وكيف كافأهم مولاهم بجنة عرضها السماوات والأرض وأعد لهم فيها من المتع الخالدة ما تقر به أعينهم، وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
إنه القرآن واحة الإسلام وحدائقه الغناء.. حدائق ذات بهجة وبهاء من دخلها ورأى ما فيها من متع وملذات وأعظمها وأجلها متعة النظر إلى وجه الله تعالى الكريم، إنه استقبال كريم لمن اختار الشكر على الكفر، والطاعة على المعصية، والإقبال على الله تعالى على الإدبار عنه.
في رمضان يتصل الإنسان بالسماء طاعة واستجابة، واطمئنانًا إلى ما أعد الله تعالى له من خير لا يمكن أن يخطر له على بال مهما شطح به الخيال، وشطحت به الأماني العذاب.
في رمضان تعلو فيه الأصوات بذكر الله تعالى الواحد الديان.. في رمضان ترتفع الأيدي بالبذل والعطاء، ويتسابق المسلمون ليروا ربهم ما يحب منهم من أخوة إيمانية، وتواصل إنساني.. في رمضان شهر القرآن يتحقق كل ذلك وغيره كثير.