بيان الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
في شأن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
د. علاء عبد الهادي
الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
إذ يتقدم الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ومجلس إدارة الاتحاد العام المشكل من رؤساء ثماني عشرة هيأة ثقافية وفكرية وإبداعية عربية بوافر التهنئة وأخلصها إلى المسلمين في العالم أجمع بمناسبة مولد رسول الإسلام، ونبي الرحمة والتسامح، محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه يدين بأشد ألفاظ الإدانة الحادثة التي طُعِنَ فيها أحد المدرسين الفرنسيين، والحادثة التي أسفرت عن هجوم بسكين على أسرة مسلمة مكونة من تسعة أفراد، من مهاجمين يمينيين متطرفين، وسط إطلاق إهانات عنصرية وعبارات نابية عن العرب والمسلمين.
ويؤكد الاتحاد العام أن الحادثتين لا علاقة لهما بصحيح دين تدعو شرائعه إلى السماحة والمحبة والسلام بين جميع البشر حتى مع من لا يؤمنون به. معلنًا تضامنه مع الضحايا جميعًا وأسرهم. ومؤيِّدًا موقف الأزهر الشريف الرافض لعمليات القتل والاعتداء على الأنفس كافة بصرف النظر عن ديانة الجاني والضحية، إيمانًا بأن الكيل بمكيالين سيكون مبررًا لخلق سياق من الاحتراب بين أتباع الديانات على نحو يزيد من تداعيات الإرهاب والإرهاب المضاد بين أصحاب العقائد المختلفة.
ويعلن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب رفضه الكامل بأقوى عبارات الرفض للتصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي التصريحات التي قوبلت من عدد كبير من الأدباء والمثقفين والمفكرين بالشجب والاستهجان، وأثارت ردود فعل غاضبة في داخل فرنسا، وفي أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي. ويعتبر الاتحاد العام خطاب الرئيس ماكرون خطابًا متعاليًّا جاءت أصوله من تاريخ كولونيالي مفعمٍ بغطرسة تاريخية عانت منها شعوب عربية وإسلامية كثيرة، نهبت فرنسا الاستعمارية أموالها ومقدراتها، وسعت لسلب هوياتها السياسة وخصوصياتها الثقافية، وما زالت تسعى لفرض ثقافتها الفرانكوفونية عليها في مختلف بلدانها حتى الآن، وأن ما جاء في خطاب السيد ماكرون يقوض الجهود الدولية المشتركة التي تستهدف القضاء على العنصرية والتنمر ضد الأديان.
ويؤكد الاتحاد العام أن خطاب ماكرون -ومصطلحاته التي أطلقها- لم يخلُ من الزيغ والمغالطة والتناقض، فقد ناقض خطابه أصل ما ادّعى أنه ينادي به من العلمانية التي ترفض مبادؤها تدخل الدولة في تنظيم الدين، بل ترفض كل ما يعادي حرية المواطن في اختيار عقيدته وممارستها، وأن تقسيمه الفرنسيين إلى فرنسي ومتفرنس، وانعزالي وغير ذلك، يؤكد ما تضمنه خطابه العنصري المحمل بالكراهية، هذا الخطاب الذي يحض على إقامة محاكم تفتيش جديدة، بل يعيد إحياء شكلٍ بغيضٍ من الإمبرياليّة الثقافيّة التي سيترتب عليها إجراءات وتشريعات مناهضة لحرية اعتناق العقيدة وممارستها، ومن خلال ممارسات سلطوية مجحفة ضد الفرنسيين المسلمين بعامة، وضد الفرنسيين المسلمين من الأصول العربية السامية بخاصة..
ويؤكد الاتحاد العام أنه لا توجد انعزالية في العقيدة الإسلامية، حتى لو وُجدَ انعزاليون، وأنه لا يوجد في أحكام أية ديانة سماوية إرهاب، حتى لو وجدَ إرهابيون يمثلون قلة منحرفة قد تظهر في أتباع أية عقيدة، و”تعميم الخصوص” لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه استهدافًا لعقيدة دون أخرى، وازدواجا في المعايير.
كما يؤكد الاتحاد العام أن العقائد لا تعيش أزمات، ومنها العقيدة الإسلامية، ولكن يسدد أصحابها أعباء عقود طويلة من التخلف والمرض والفقر سببه الاحتلال البغيض، وما نهبته الدول الاستعمارية من أموالهم وثرواتهم ومقدراتهم! أما ما يطلق عليه الإرهاب الإسلامي، فلا يوجد إرهاب إسلامي أو مسيحي أو بوذي… إلخ. لأنه لا توجد عقيدة سماوية أو دعوية تبرر الإرهاب، أو تحرّض على العنف، إلا من خلال فهم خاطئ، يقوم على اقتطاع نصوص من سياقاتها تحقيقًا لمصالح سياسية بأعينها، وهو الأساس الذي قام عليه خطاب ماكرون ومضمون ما جاء فيه.
وفي ظل هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم تحولا هائلا يضرب أسس الوجود البشري في كل أرجاء الأرض بعد جائحة “كوفيد 19” بخاصة التي طبعت العالم بطابعٍ موحد أساسه تقاسم الخوف، والشعور بالعجز تجاه تحدٍّ فيروسي مذهل، وغير متوقع، وفي ضوء توجه محمود بين زعماء الدول كلِّها؛ الغنية منها بخاصة، نحو التعاون والتسامح وتشجيع البحوث الطبية من أجل انقاذ البشرية جمعاء من هذا الخطر الداهم، أتي خطاب الكراهية والحض عليها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معلنًا موقفه العدائي من الإسلام والمسلمين.
وإذ يدعو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الأدباء والمفكرين والمبدعين والساسة والصحفيين في أنحاء العالم إلى استنكار خطاب الرئيس ماكرون المعبأ بمشاعر الكراهية والازدراء للدين الإسلامي، ويعتبره إهانة جائرة لحضارة تاريخية كبرى، ولدين عظيم، فإنه يعلن ممثلاً في هيئاته مقاطعة وزارة الثقافة الفرنسية، والهيئات الثقافية الفرنسية التي أيدت هذا الخطاب العنصري، كما يدعو اتحادات الكتاب في أنحاء العالم، ومنظمة اليونسكو، والمنظمات الثقافية الإقليمية إلى إصدار بيانات ترفض خطاب الكراهية، والغطرسة الثقافية، وتطالب الرئيس الفرنسي وحكومته بالاعتذار رسميًّا عن هذا الخطاب الشائن، وما تضمنه من إهانات متكررة للإسلام وللمسلمين.