هذه الكلمات في حق سيد الخلق والمرسلين تشرفت بكتابتها فى نوفمبر ٢٠١٨ م بمناسبة مولد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم رسول السلام والمحبة والإنسانية الذى إمتدحه رب العزة عز وجل بقوله عز من قائل ( وإنك لعلى خلق عظيم) وقوله أيضا وقوله الحق:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)
أعيد نشره فى هذه الأيام المباركة لأكثر من سبب :
أولا : إنه صلى الله عليه وسلم شفيعنا يوم الزحام يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فضلا عن أن الله عزوجل ناصره مصداقا لقوله تعالى “إلا تنصروه فقد نصره الله “
ثانيا : إنه المبعوث رحمة للعالمين، فلن يضيره بعض الإساءات من هنا وهناك من قليلى العقل والإدراك فهو المعصوم من الزلل، والمحمى من الفتن، والبعيد عن أى شبهة تقال فى حقه من جاحد أو غير مؤمن أو متقول أو شاذ نفسيا وعقليا مهما كانت مكانته مصداقا لقوله تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)
ثالثا : إن ما نشهده هذه الأيام من افتراءات عليه وعلى ديننا الحنيف من بعض المهووسين والجهلاء حرى بأن يدفعنا للتلاحم والتعاضد وحب ديننا والتمسك بقيمه وكذلك حب أوطاننا التى يأتيها الكيد من الداخل ومن الخارج. وقد أكد المولى عز وجل العصمة لنبيه فى قوله تعالى (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ).
رابعا : إن الإساءة والهجوم غير المبرر وغير العقلاني على مكانة النبى محمد وهو من هو ابتغاء مصالح دنيوية زائلة ومراهقات سياسية شائنة يعد أمرا غير مقبول جملة وتفصيلا، وهو رغم ذلك لا يقلل من مكانة وهيبة نبينا الكريم، بل يزيده رفعة وشموخا وهو ما شهد به العديد من الأعداء من ذوى العقول فى أوروبا وغيرها أيضا، أما الظالمين المفترين فلن تزيدهم هذه الممارسات البغيضة إلا خسارا وتبارا.
خامسا : أهمية معرفة قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وفعلا وليس تشدقا بكلام لا طائل من ورائه وعصبية لا تفيد ينبذها ديننا الحنيف. وقد توعد الله عزوجل من يؤذى رسوله بالعذاب الأليم فى قوله جل وعلا (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
سادسا : التأسى برسولنا الكريم وهو القدوة الحسنة لا مراء ولا شك فى ذلك سواء فى أفعاله أو أقواله، والتمسك بنهجه القويم وسنته الغراء التى تعد المصدر الثانى للدين الحنيف بعد القرآن العظيم كتاب الله عز وجل تصديقا لقول الحق جل وعلا (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
سابعا : رغبتى أن أزجى إليكم جميعا أهلى وأصدقائي وزملائى ومعارفى فى كل مكان أسمى آيات التهانى والتبريكات بمناسبة قرب حلول ذكرى مولد رسولنا الكريم خير ولد عدنان. صلوا عليه وسلموا تسليما.
______________
(محمد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم)
حين انطفأت شموع التوحيد فى مشارق الأرض ومغاربها، وأوشك الظلام الكثيف أن يطبق على العقل، ولم يعد هناك غير قلة قليلة من الغرباء الموحدين، شاءت رحمة الله تعالى أن تبعثه بآخر رسالات السماء إلى الأرض.. ووسط كآبة الحياة وليلها الموحش.. جاء ” شمس الأنبياء “.. جاء استجابة لدعوة إبراهيم خليل الله.. وجاء تصديقا لبشرى عيسى روح الله وكلمته.. يصلى عليه الله عزوجل رحمة وبركة.. وتصلى عليه الملائكة ثناءا واستغفارا.. ويصلى عليه المؤمنون تكريما وتعظيما.. قال الحق فى سورة الأحزاب :
” إن الله وملائكته يصلون على النبى يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما “.
ومن قبله أرسل الله تعالى أنبياءه رحمة لقومهم.. وزمانهم.. وأرسله الله تعالى رحمة للعالمين.. جاء رحمة مطلقه لقومه وزمانه.. ولمن يجيئ بعدهم من الأقوام والأزمنة على تعاقب الأيام وتتالى الدهور.
قال الحق فى سورة الأنبياء : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)
ولقد كان جوهر دعوات الأنبياء السابقين عليه هو الإسلام.. وكان عنوان رسالته هو الإسلام أيضا.. وهنا يتمثل الإعجاز فى أن يكون العنوان جوهرا.. ويكون الجوهر عمقا بلا قاع، وقمة بلا نهاية.. ذلك هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.. وسيد أبناء آدم.. وعبد الله ورسوله.. ورحمة الله المهداة للبشر أجمعين..
أمر محمد (صلى الله عليه وسلم) بأن يبلغ عن ربه، ولم تبين له الطرق التى يتبعها فى التبليغ وفى حماية الدعوة. وترك له أن يتصرف بعقله وعمله وفطنته، كما يتصرف غيره من العلماء والعقلاء. وجاء الوحى مفصلا قاطعا فى كل ما يخص ذات الإله ووحدته وصفاته وكيفية عبادته ؛ ولم يكن كذلك فيما يخص النظم الاجتماعية للقرية والمدينة والدولة منفردة ومرتبطة بغيرها من الدول.
فهناك مجال واسع للبحث عن عظمة النبى (صلى الله عليه وسلم) قبل الوحى، وهناك مدى فسيح للبحث عن تلك العظمة بعد الوحى. فقد صار مبلغا عن ربه داعيا إليه، حاميا لتلك الدعوة ولحرية الداعين، مدافعا عنهم ؛ وأصبح حاكم الأمة الإسلامية وقائد حربها ومفتيها وقاضيها ومنظم جميع الصلات والروابط فيها، وبينها وبين غيرها من الأمم.
وقد أقام العدل فى ذلك كله، وألف بين أمم وطوائف ما كان العقل يسيغ إمكانية التأليف بينها ؛ وظهرت الحكمة والرصانة وبعد النظر وكمال الفطنة وسرعة الخاطر وقوة الحزم فى كل ما صدر عنه من قول أو فعل، وتفجرت منه ينابيع العلم والمعرفة، وينابيع البلاغة التى يطأطئ البلغاء رؤوسهم أمامها إجلالا وهيبة، وفارق الدنيا وهو راض عن عمله مرضي من الله و من المسلمين.
وكل هذه النواحى تستحق الدرس والتمحيص، وليس فى مقدور شخص واحد أن يفيها حقها، بل ليس فى مكنة شخص واحد أن يوفى على الغاية فى ناحية من هذه النواحى.
وإذا كان النبى (صلى الله عليه وسلم) خاتم الأنبياء وليس للعالم بعده هاد مرشد، وكان دينه أكمل دين بنص الوحى القاطع، فلا يمكن أن يقف أمره على ماهو عليه الآن، ولابد أن يمحو نوره نور غيره كما تمحو الشمس أضواء غيرها من الكواكب.. لقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) وسيظل أعظم الشخصيات أثرا فى تاريخ الإنسانية كلها، لأنه الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحا مطلقا على المستويين الدينى والدنيوى
وأختم كلمتى هذه بقول سيد الخلق صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار ومن اتبعه ” أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل على غضبك، أو أن تحل بى سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله” .