رسالة مسقط: أحمد تركي
قامت استراتيجية البناء والتنمية في سلطنة عُمان، على الاهتمام ببناء المواطن من جميع الجوانب الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والسياسية باعتبار أنه الأساس في البناء وهو مقصدها ومنتهاها.
ويشكل الأول من مايو من كل عام عيداً للعمال على مستوى العالم، إذ يوافق اليوم العالمي للاحتفاء بهذه الفئة ذات الدور المحوري في عمليات الإنتاج ورفد الحياة في كافة قطاعاتها.
وشارك الاتحاد العام لعمال السلطنة دول العالم الاحتفال بهذه المناسبة، بما يؤكد على العديد من المعاني والدلالات الخاصة بهذه الفئة والتأكيد على دورها، تكريما لهم، فهم من يأخذون بدفة الإنتاج في القطاع الخاص، ومن هنا تولي القيادة السياسية العُمانية أولوية خاصة بهم.
فقد توالت الخطط والاستراتيجيات اللازمة من قبل السطان قابوس طيب الله ثراه على مدار خمسين عاماً من مسيرة بناء الوطن، من أجل بناء شبكة أمان اجتماعي لأفراد المجتمع وخاصة للعمال والعناية بهم تحقيقاً للأمان الوظيفي والاستقرار المجتمعي.
وخلال سنوات النهضة المباركة ومسيرة الدولة الحديثة في السلطنة فقد نهضت قضايا العمال والاهتمام بها وتطورت مع الزمن، مشفوعة بالقوانين والتشريعات وكافة المسائل التنظيمية التي تكفل لهذه الشريحة بأن تكون جزءاً أصيلاً من مسار متصل من العطاء والإبداع والمساهمة الفاعلة في بناء عُمان.
وعلى نهج السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، يولي السلطان هيثم بن طارق، أولوية ورعاية للعمال باعتبارهم سواعد البناء والتنمية، وهو الاهتمام الذي تجسد خلال عام 2020 عبر الآتي:
أولاً: إنشاء صندوق الأمان الوظيفي: فقد وجه السلطان هيثم بن طارق في الثالث من مارس 2020، بإنشاء صندوق الأمان الوظيفي وتمويله بعشرة ملايين ريال من لدنه؛ ليكون سياجا من التعطل من العمل في عُمان وليفتح آفاقا أوسع للعمل في القطاع الخاص في الفترة المقبلة ويوفر المزيد من الضمانات الوظيفية والأمان الاجتماعي للعاملين في الشركات، الأمر الذي يبعث على الارتياح لهذه التوجيهات السامية التي من شأنها أن تسهم في إحداث انفراجة كبيرة في أوساط العاملين وتبعث على الطمأنينة في رسم مستقبلهم الوظيفي.
يكتسب إنشاء صندوق الأمان الوظيفي أهمية كبيرة وسط أزمة اقتصادية عالمية أثرت وتؤثر على الكثير من القطاعات الاقتصادية بعُمان والمنطقة بل والعالم بأسره، ولها انعكاساتها على قطاع الأعمال، فإنشاء الصندوق سوف يعمل على تهدئة القلق لدى الكثير من العاملين في الشركات أو المسرّحين من المشروعات المنتهية.
ومن دلالات إنشاء الصندوق كذلك هو التوجه لتذليل الصعوبات التي تواجه العمل في القطاع الخاص وتوفير الكثير من الضمانات له وباعتبار أن العمل في هذا القطاع هو المستقبل الذي يتطلب التركيز عليه في المرحلة المقبلة، وبالتالي من الأهمية بمكان تهيئة كل الظروف التي تحفز الشباب العُماني للالتحاق به، من بعد تبديد مخاوف العاملين من الالتحاق به نظرا لارتفاع مستوى المخاطر به كما يعتقدون، فهذه الخطوة المباركة تشكّل التفاتة كريمة وحانية من جانب السلطان هيثم بن طارق للعاملين في القطاع الخاص.
ومن الدلالات المهمة أيضا لإنشاء الصندوق تلبيته لمطالبات المواطنين وتلمس احتياجاتهم الحياتية والتفاعل معها إيجابا من خلال هذه الخطوات العملية، وهذا الاقتراب الحاني من العاملين يعكس البُعد الاجتماعي والإنساني؛ إذ يحرص السلطان هيثم على تهيئة كل الظروف لأبنائه المواطنين للتجويد والإبداع كل في مجال عمله وصولا لإنتاجية عالية تصب في مصلحة دعم الاقتصاد الوطني.
هذا فضلا عن أن الصندوق بنظمه سوف يعزز مستوى الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص، وذلك بعد إيجاد مظلة تأمينية توفر الضمانات في حالات التعطل أو التسريح.
وأعلنت الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بعُمان عن فتح حساب مصرفي خاص للمساهمة في نظام الأمان الوظيفي، وذلك ترسيخاً لمبدأ التكافل الاجتماعي واستجابة لرغبة بعض المؤسسات والأفراد من داخل السلطنة، للمساهمة في نظام الأمان الوظيفي .
ثانياً: تشكيل لجنة لمعالجة أوضاع القوى العاملة الوطنية المنهية خدماتها: وذلك بعضوية وزارات النفط والغاز والتجارة والصناعة والمالية، والمركز الوطني للتشغيل، وبمشاركة غرفة تجارة وصناعة عمان والاتحاد العام للعمال.
وتعنى اللجنة بالنظر في مواضيع القوى العاملة الوطنية المنهية خدماتهم بمنشآت القطاع الخاص وإيجاد الحلول والآليات المناسبة لهم.
فلا يجوز لشركات ومؤسسات القطاع الخاص إنهاء خدمات القوى العاملة الوطنية الجماعية وتلتزم مؤسسات القطاع الخاص في حالات الإفلاس أو الإغلاق أو انتهاء مشاريعها كليًا أو جزئيًا ولا توجد منشأة يؤل إليها المشروع إخطار اللجنة قبل ثلاثة أشهر من التاريخ المحدد لإنهاء خدماتهم، وذلك لضمان توفير فرص عمل مناسبة لهم، على أن يتضمن الطلب ( الأسباب والمبررات للإنهاء، والكشوف التفصيلية بالقوى العاملة الوطنية المراد إنهاء خدماتهم ومؤهلات وخبراتهم العملية وأي بيانات أخرى ترى اللجنة ضرورة الاطلاع عليها.
وحدد القرار اختصاصات لجنة المتابعة والنظر في قرارات القوى العاملة الوطنية المنتهية خدماتهم من العمل والحلول المناسبة لها: إيجاد الحلول المناسبة في مواضيع القوى العاملة الوطنية المنهية خدماتهم بمنشآت القطاع الخاص، ومتابعة فرق العمل بالمحافظات ودراسة المقترحات والنتائج التي يتم التوصل إليه.
وكذلك على اللجنة البت في مواضيع القوى العاملة المنهية خدماتها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إخطار المنشأة، وتقوم اللجنة بمخاطبة الجهات المعنية بطلب البيانات للتأكد من صحة الأسباب والمبررات التي تقدمت بها الشركة لإنهاء خدمات القوى العاملة الوطنية وذلك لضمان استقرارها وتوفير التسهيلات الملائمة لأوضاعها.
وأشار القرار إلى آلية العمل بحيث تقوم اللجنة بدراسة الطلب بما يتضمنه من أسباب ومبررات وإحالته خلال أسبوع إلى فريق العمل وفق الاختصاص المكاني، وفي حالة إفلاس المنشأة أو إغلاقها وفق القانون أو انتهاء جميع مشاريعها بالسلطنة ، يتم معالجة أوضاع القوى العاملة الوطنية بمنحهم الأولوية في إيجاد فرص عمل مناسبة لهم، مع إلزام المنشأة بترحيل جميع القوى العاملة الوافدة.
من جانب آخر تضمن القرار معالجة انتقال المشروع من منشأة إلى منشاة أخرى بأن يتم تطبيق المادة (48) مكررً من قانون العمل، بنقل القوى العاملة الوطنية إلى الشركة الجديدة التي آل إليها المشروع ، أما في حالة انتهاء المشروع ل دى المنشاة ويوجد لديها مشاريع أخرى بالسلطنة، يتم إعادة توزيع القوى العاملة الوطنية بتلك المشاريع وذلك وفقا لقرار اللجنة.
إجمالي القول أن سياسات الحكومة العُمانية وخططها، تنسجم وتتناغم مع أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن المؤتمرات الدولية والإقليمية وتعمل على اتخاذ الإجراءات التي تعزز أبعاد التنمية الاجتماعية، ومن هذا المنطلق جاءت الأهداف الاستراتيجية لوزارة التنمية الاجتماعية بسلطنة عُمان، ملبية للنهج التنموي المعتمد على الشراكة والتمكين والمساواة وتكوين القدرات وبناء الطاقات وإكساب المهارات والعمل على توفير المناخ الملائم للأفراد لتمكينهم من المشاركة الفعالة في الجهود التنموية وإنتاجية العمل.
يبقى القول أن الاهتمام ببناء شبكة أمان اجتماعي للمواطن العُماني ظل عقيدة راسخة لدى القيادة السياسية باعتبار العامل لمواطن هو أساس النهضة والبناء والتنميو وهو غايتها المنشودة.