قانون التجمهر وافتراض العلم بأحكامه
بقلم/ محمد حسين نجم
المحامي بالنقض وباحث دكتوراه
قاعدة “عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون”، تقوم على افتراض علم المخاطبين بأحكام القانون ، بمجرد انتهاء مرحلتى صدور القانون ومرحلة النشر فى الجريدة الرسمية ، وبعد ذلك يعاقب من يخالف أحكام القانون بالعقوبات المقررة قانونا بنصوصه .
وتوضيحا لذلك لا يمكن لمن يرتكب جريمة وفق قانون عقابى ، الاعتذار بأنه لا يعلم أن هناك نصا قانونيا يجرم ، ويعاقب على الفعل المرتكب ، وكان لازما علينا وضع النصوص القانونية لجريمة التجمهر حتى يتحقق العلم اليقينى بأحكام ذلك القانون ، والوضع فى الاعتبار أن القانون رقم 1 لسنة 1914 ” قانون التجمهر” قد صدر بتاريخ 18 أكتوبر 1914، المعدل بالقانون رقم 87 لسنة 1968 أى مر أكثر من(100) عام على صدوره ونشره بالجريدة الرسمية.
وبداية نؤكد أنه بعرض قانون التجمهر على المحكمة الدستورية العليا قضت بمطابقته للدستور، وقضت بأنه “….. وبذلك يكون المشرع قد جعل من توافر أركان جريمة التجمهر على الوجه المعرفة به قانونا أمرا تتحقق به صورة المساهمة فى الجرائم التى يرتكبها أحد المتجمهرين ، جاعلا معيار المسئولية وتحمل العقوبة ، هو العلم بالغرض من التجمهر ، واتجاه الإرادة إلى تحقيق هذا الغرض ، وكل ذلك باعتبار أن الأصل فى الشريك أنه شريك فى الجريمة وليس شريكا مع فاعلها ، يستمد صفته هذه من فعل الاشتراط ذاته المؤثم قانونا ، والنصوص المطعون عليها قد أنزلت العقوبة على مرتكب الفعل المؤثم ، وهو فعل المساهمة فى جريمة جنائية وليس غيره ، وما دامت أركان الجريمة قد توافرت فى حق أى شخص فهو مرتكب لها ، ومن ثم فإن المشرع لم يخرج عن القواعد العامة فى التجريم والعقاب ، بل التزم بمبدأ شخصية العقوبة ، الذى تبدو أهم سماته ألا يؤخذ بجريرة الجريمة إلا جناتها ” (الطعن رقم 1 لسنة 9 قضائية”دستورية”، جلسة 29/4/1989 (
وأكد مشروع القانون أن هدف المشرع من تقنين جريمة التجمهر هو حماية أمن الشعب ، وهو من أهم الأهداف التى تحرص الدولة على تحقيقها ، وسبيلها إليه هو تأكيد سلطان القانون ، حتى يطمئن المواطنون فى ظله على أموالهم و أرواحهم ، وحتى يزدجر بأحكامه كل من تسول له نفسه الخروج عليه .
ويتحقق الركن المادى لجريمة ” التجمهر” إذا كان التجمهر مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل ، من شأنه أن يجعل السلم العام فى خطر، وأمر رجال السلطة المتجمهرين بالتفرق، فكل من بلغه الأمر منهم ورفض طاعته ، أو لم يعمل به ويعاقب عليها القانون بالحبس مدة لا تزيد عن ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيها ، (المادة الاولى).
وإذا كان الغرض من التجمهر ارتكاب جريمة أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح ، أو إذا كان الغرض منه التأثير على السلطات فى أعمالها ، أو حرمان شخص من حرية العمل سواء كان ذلك التأثير أو الحرمان باستعمال القوة أو بالتهديد باستعمالها ، فكل شخص من المتجمهرين اشترك فى التجمهر، وهو عالم بالغرض منه أو علم بهذا الغرض ولم يبتعد عنه ، تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيها .
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين أو الغرامة التى لا تتجاوز خمسين جنيها مصريا ، لمن يكون حاملا سلاحا أو آلات من شأنها إحداث الموت إذا استعملت بصفة أسلحة .
والجدير بالذكر أن المشرع قد شدد عقوبة الجريمة التى يرتكبها أحد المتجمهرين، برفع الحد الأقصى المقرر لعقوبتها ، على أن لا تجاوز مدة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن عشرين عاما، لاقتصار القانون السابق للتعديل على بيان جريمتى التجمهر والتدبير لجريمة التجمهر دون النظر إلى موقف من يرتكب جريمة كأثر من آثار التجمهر المؤثم قانونا .
ومثال ذلك نصت المادة (236) من قانون العقوبات على أنه:” كل من جرح او ضرب احدا أو اعطاه مواد ضاره ولم يقصد من ذلك قتلا ولكنه افضى الى الموت يعاقب بالاشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات الى سبع سنوات، واما اذا سبق ذلك اصرار أو ترصد فتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن، ………….”
ومفهوم ذلك اذا ارتكب أحد المتجمهرين جريمة الضرب المفضى الى موت، والتى حدد قانون العقوبات مدة السبع سنوات كحد اقصى للعقوبة، فقد اجاز النص تشديد العقوبة بزيادة حدها الاقصى الى ضعف مدة العقوبة من سبعة سنوات الى السجن اربعة عشر عاما.
وتكون العقوبة هي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إذا ا خرب المتجمهرون عمدا مبانى أو أملاكا عامة أو مخصصة لمصالح حكومية أو للمرافق العامة أو الهيئات العامة أو للمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها أو شركات القطاع العام أو الجمعيات المعتبرة قانونا ذات نفع عام ، ويحكم على الجانى فى جميع الأحوال بدفع قيمة الأشياء التى خربها، (1/2) من التعديل.
وتحقق وصف الشريك فى ارتكاب الجريمة التى وقعت بناء على هذا التجمهر ، إذا وقعت الجريمة بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر فجميع الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكاب هذه الجريمة يتحملون مسئوليتها جنائيا بصفتهم شركاء ، إذا ثبت علمهم بالغرض المذكور، (المادة الثالثة)- وخطورة ذلك أن مجرد الاشتراك فى التجمهر وثبت علم المتجمهرين بالجريمة فيعتبر جميع المتجمهرين شركاء أصليين ولا يشترط ارتكاب فعل مادى غير فعل التجمهر .
وعقاب المدبر للتجمهر، بذات العقوبات التى يعاقب بها المتجمهرون فعلا ، ويكونون مسؤولين جنائيا عن كل فعل يرتكبه أى شخص من هؤلاء الأشخاص فى سبيل الغرض المقصود من التجمهر، ولو لم يكونوا حاضرين فى التجمهر أو ابتعدوا عنه قبل ارتكاب الفعل ، (المادة الرابعة ).
وخطورة النص أنه يعاقب من يقوم بارتكاب فعل التدبير والتشجيع على التجمهر، ويتحقق ذلك بوسائل الاتصال الاجتماعى من فيس بوك وواتس أو غيرها، وعلى ذلك نناشد الشباب بخطورة بث المنشورات على شبكة التواصل الاجتماعى ، والتى قد تجعل مستخدمها تحت طائلة القانون ، والجدير بالذكر أن رجوع الشخص بعد بداية التجمهر إلى الطريق القويم لا يؤمن من العقاب ، لأن القانون يحمله مسئولية أى أفعال جنائية ترتكب بناء على هذا التجمهر، وندعو ابنائنا إلى التريث والتركيز فى بداية أى فعل قد يعرض من قريب أو بعيد السلم العام للقطر المصرى للخطر، لأن القانون لا يتساهل مع الجانى لو عدل عن فعله بعد بداية التجمهر فعلا .
وخيرا ما فعل المشرع حيث سد النقص الناتج عن التطور الحديث للوسائل الحديثة ، والتى يتخذها البعض لارتكاب الجرائم ، ويكفى الدعوة إلى التجمهر أو التدبير له لوضع الفاعل تحت طائلة القانون ، وكذلك تعطيل الدفع بشيوع الاتهام ، حيث يكفى أن يكون مدبرا للتجمهر أو شريكا فيه ليكون مسئولا عن أى فعل ينتج عن هذه الجريمة ، ولو لم يكن حاضرا فى مسرح الجريمة ، وأخيرا نناشد المشرع برفع قيمة الغرامة حيث إنها تافهة (عشرين جنيها) حيث قررت منذ مائة عام فلا تصلح لتحقيق الردع فى الوقت الحالى .