الإمام الليث بن سعد: الفقيه والمحدث والإنسان
تصدير
بقلم المفكر الإسلامي أ.د/ محمد كمال إمام
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية
الكتابة عن الأعلام في مجالات الفكر الإسلامي فنٌّ صعب ومهمة شاقة؛ لأنها تستدعى من الباحث صبرًا في التعامل مع المصادر التي قد تكون غائبة أو مجهولة أو متحركة على كل موسوعات الإسلام، وتستدعي حذرًا في تركيب الصورة؛ لأن قراءة العصور -فكرًا وثقافًة وأحداثًا- ليست بالأمر الهين اليسير؛ بل ربما كانت استعادة الماضي هي أصعب ما يواجه الباحث في التاريخ العقلي للإنسان.
والكبار من أبناء الأمة قدامى ومعاصرون أحسوا بثقل هذه المهمة، وخطورة التبعة التي تُلقى على عاتق الباحث في تقويم الرجال؛ لأنها لا تتعرض لِعَلَمٍ فحسب، أو لأحداث مجردة؛ بل تتناول نفوسًا بشرية كانت تتحرك في عصر لم نعايشه، وعلينا أن نعرف تفاصيله ورُؤاه، والعلماء جميعا في ذلك سواء، سواء أكانوا من رجال العسكرية أم من المفكرين أم من الفلاسفة أم من الفقهاء.
ويأتي الليث بن سعد (رضي الله عنه)، الفقيه والمحدث المصري، بل رأس المدرسة المصرية في الفقه والحديث، في مقدمة هؤلاء الأعلام الذين يصعب كتابة تاريخهم، والترجمة لعصرهم، وجمع شتات مؤلفاتهم وآرائهم الفقهية؛ فقد كان -كما قيل- أفقه من مالك، ولكن أصحابه لم يقوموا به، أي: لم يحملوا تراثه نشرًا وتدوينًا، ولم يحملوا مذهبه إلى سُدَّة الحكم والقضاء، مما جعل جمع آرائه من موسوعات الحديث والفقه أمرًا محفوفًا بالمخاطر، ولولا أمانة علمائنا الموسوعيين واهتمامهم بعرض الرأي ودليله، لكان الوصول إلى فقه الليث بن سعد أمرًا يستحيل إدراكه.
وقد آثر الباحث أحمد على سليمان أن يخوض هذه البحار العلمية الصعبة، ذلك لأن في المغامرة الفكرية متعة تستحق الإقدام عليها، وفي اكتشاف عقل الفقيه ما يساعد على تكوين علمي للباحث، يدفعه إلى الأمام.
ولعل الباحث الجاد أراد -باعتباره مصريًّا- أن يدخل إلى عالم فقيه مصري يحتل مرتبة صاحب المذهب في خريطة المذاهب الفقهية الإسلامية.
وقد وفق الباحث للتعريف بالليث بن سعد، والوصول إلى أهم آرائه، ولو قدر له أن يدرس الليث في إطار بيئته الجغرافية، ومن خلال الجهود العقلية في زمانه ومكانه لكان لديه آلية لتحليل منهج «الليث محدثًا» بأكثر مما فعل؛ لأن الصحابة والتابعين في مصر لم يكونوا مجرد حملة لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل كانوا رجال حديث، وأعلام فقه، وقادة سيف وقلم.