وليم شكسبير لم يكن أمريكيا!
بقلم الدكتورة/ إيمان عزمي
هذا هو الجزء السادس (والأخير) الذي يتبع الجزء المعنون بخصوبة التربة، وفيه:
—————————————————————
في فترة من الفترات القريبة إثر الأزمة المالية العالمية لسوق العقارات، كتبت بعض الصحف والمجلات المهنية المتخصصة في الإدارة مثل Harvard Business Review وNew York Times وWall Street Journal عما يُعرف بالإدارة الجزئية أو Micro Management، والتي تقضي بالوصول إلى تفاصيل العمل على مستوى الأفراد (وليس فقط الإدارات)، وإلى التواصل الفعال مع نفس هؤلاء الأفراد في المؤسسات لمعرفة حقيقة الوضع في العمل، حتى أن بعض المحللين الاقتصاديين أعزوا خسارة بنك JPMorgan Chase الشهير والتي بلغت أكثر من ملياري دولار في عمليات التداول إثر أحداث الأزمة المالية العالمية في سوق العقارات إلى ما تجاهلته إدارته العليا من تقارير أولية صدرت من المستويات الإدارية الأقل، واعتبرته زوبعة في فنجان تحولت بعد ذلك إلى مذلّة بمليارات الدولارات.
ولن أحدّثك عن الطريقة التي تم بها التعامل في هذا البنك العالمي مع صاحب هذا التقرير الأولي، والذي كرّر رفعه ثلاث مرات متدرجًا في المستويات الإدارية للبنك بدافع حِرصه على تنبيه الإدارة للخطر الذي تُفصِحُ عنه البيانات الأساسية لوحدته، ولن أُثلج صدرك بأن أُعلمك بأن الإدارة لم تكتفِ بتجاهله فحسب؛ بل وبتأديبه بأن نقلته إلى إدارة هامشية يُشرف فيها على موظفَين اثنين فقط بعد أن كان رئيسًا لأربعة عشر موظفًا؛ عقابًا له على ذمِّه للإدارة العليا – كما ظنّت الإدارة وقتها ربما لحسابات شخصية – حتى حدث ما لا تُحمد عقباه.
إن تطبيق مبدأ الإدارة الجزئية داخل مؤسسات القطاعات الحكومية تحديدًا في بلدان العالم العربي، هو أمر ليس بالهيّن أو السهل على الإطلاق، فما بالك إن كان على مستوى الدولة، وهو أمر يحتاج لا محالة إلى حنكة وحكمة وموضوعية مهنية من القادة في الإدارات العليا يستطيعون بها الوصول إلى الأفراد في مؤسساتهم؛ وفي نفس الوقت الحفاظ على هيكل السلطة التنظيمي والتسلسل الإداري الذي تَفرِضُه لزامًا اعتبارات حجم التنظيم المؤسسي وبيروقراطية المعاملات الإدارية التي أقول – على عكس كثيرين – أنها ميزة من مزايا القطاعات الحكومية للحفاظ على حقوق أفرادها.
وقد تُستخدم الإدارة الجزئية بجدارة في تمكين نوع الإدارة الطيبة عن بُعد، والتي تدفع الأفراد في المؤسسات للعمل بأقصى طاقتهم حبا لا كرها، وطواعية لا إلزاما، وبرغبة واستعداد طيّب للأفضل، فتنطلق “ديدمونة” في عملها مع “إيميليا” دون خوف من دسائس قد تودي بمجهودهما، ولن تنشغل أيهما بتبرير موقف وهمي لا وجود له لتدفع البلاء عنها أمام “عُطيل”، ولن تجد من ينصت لأمثال “ياجو” دون أن يتحقق بطريقته لا على طريقة “ياجو” نفسه في قلب الحقائق، وستجد من يضع الأسس القويمة للاستثمار في البشر.
قديمًا قال أحد رجال المال في تشجيع الاستثمارات الدولية “أن رأس المال يذهب للمكان الذي يحتاج إليه، ولكنه لا يبقى إلا في المكان الذي يُحسن معاملته”، في إشارة بحسن المعاملة للقوانين الجاذبة للاستثمار سواء في البنية الأساسية التقنية أو الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية أو حتى الإدارية والإجرائية، وأحسب أن رأس المال البشري في مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص على اختلاف مجالاتها في الدولة هو أهم وأجدى وأبقى، فتجده هو الآخر يذهب طواعية للمكان الذي يحتاج إليه ويبقى ويستقر ويكد ويشقى في المكان الذي يُحسن معاملته معنويًا وفكريًا وماديًا ومؤسسيًا في زمن تجتاحه بضراوة رياح الثورات والأزمات العالمية المتجددة.
بالمناسبة؛ لاحظ عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة أن “ديدمونة” كانت زوجة “عطيل” (فهي من المقربين)، وأن “إيميليا” كانت صديقة “ديدمونة” (فهي من المقربين)، وأن “ياجو” كان رافع العلم في جيش البندقية لقائده “عُطيل” (فهو من المقربين)؛ وكان في نفس الوقت زوج “إيميليا” (فهو من المقربين)، وأن “وليم شكسبير” لم يكن أمريكيًا … (انتهى)