بدر شاكر السياب أم محمد الشرقاوي
بقلم/ د. صلاح عدس
يعاني تاريخ أدبنا من التزوير والردة للجاهلية قديما وحديثا ، لذلك نرى أن تاريخ الأدب العربي بحاجة إلى إعادة كتابته بمنظور إسلامي وهذا ما حاولت في كتابي ” منظومة الأدب الإسلامي ” وكتابي ” شعراء أهل البيت ” حين أنصفتهم بعد تجاهلهم أكثر من ألف عام لمجرد إعلاء شأن شعراء السلاطين أمثال ” أبي نواس ، بشار بن برد ، حماد عجرد ” رغم ما في شعرهم من مجون وإباحية وردة للجاهلية تمثلت في العودة إلى وصف الخمر والغزل الفاضح والإلحاد مثلما في قول أبي نواس :
حياةٌ ثم موتٌ ثم بعثٌ حديثُ خرافةٍ يا أمَّ عمرو
وأيضا قول الأخطل النصراني :
ولستُ بصائمٍ رمضانَ عمري ولستُ بآكلٍ لحمَ الأضاحي
ولستُ بصائحٍ في جنحِ ليلٍ كمثلِ العيرِ حي على الفلاحِ .
بينما كان في نفس الفترة يتم سجن الفرزدق لأنه رد على الأمير هشام بن عبدالملك الذي أنكر معرفة زين العابدين فأنشد
الفرزدق قائلا :
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَه. والبيتُ يعرفُه والحلُّ والحرمُ
هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كلهمُ هذا التقيُ النقيُ الطاهرُ العلمُ
وليس قولُك مَنْ هذا بضائرِهِ العُربُ تعرفُ مَنْ أنكرتَ والعجمُ .
ورغم كل هذا كان الشعراء المزيفون هم الذين ينالون أكياس الدراهم من السلاطين ويتناقل الرواة أشعارهم تماما مثلما يحدث الآن من ان الشعارير الذين يكتبون ما يسمونه ” قصيدة النثر ” ويمتلأ شعرهم بالإباحية والتطاول على الله ورسوله وسب دينه هم الذين ينالون الشهرة والجوائز والنشر لكتبهم ، وما هم إلا – مثل سابقيهم القدامى – حفنة من الشواذ والملاحدة والمخمورين هم وسابقوهم في الستينات الذين كانوا مجرد فرقعة إعلامية وبالونات نفخها الدكتور مندور والدكتور إبليس عوض وغالي شكري وسائر الرفاق من أدعياء الماركسية الذين هللوا لهم وجعلوهم المجددين العظام وجعلوا صلاح عبدالصبور أميرا للشعراء ويوسف إدريس إمبراطورا للقصة ونعمان عاشور ملكا للمسرح وكل هذه أكاذيب ظلوا يرددونها حتى انطلت علينا جميعا تماما مثلما قال ” جوبلز ” وزير خارجية هتلر : انشر الإشاعات والأكاذيب ورددها كثيرا يصدقها الناس .
المهم هو أن فترة الستينات هذه كانت فترة الأكاذيب التي انتهت بالنكسة ، ثم كيف نقول أن شعارير هذه الفترة أحدثوا تجديدا وتطويرا وهم أصلا يفتقدون الأدوات المؤهلة لذلك وأولها التعليم فمعظمهم لم يعرف الطريق إلى الجامعة فمثلا أحمد عبدالمعطي حجازي حاصل على دبلوم متوسط فقط والغيطاني حاصل على دبلوم صناعي وأمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودي ويوسف القعيد لم يحصلوا على الثانوية العامة ولا اعرف تعليما عاليا لصلاح عبدالصبور وبدر شاكر السياب ، فهؤلاء الشعراء المزيفون اشتهروا بينما قوبل بالصمت والتجاهل شعراء حقيقيون مثل د صابر عبدالدايم و د زهران جبر و د محمد الغرباوي ونوال مهني ومحمد الشرقاوي وعبدالحميد ضحا وسلطان إبراهيم ومحمد حافظ ومحمد فايد عثمان والسيد جلال وغيرهم من أعضاء رابطة الأدب الإسلامي وأساتذة جامعة الأزهر الذين أكن لهم كل تقدير كمنظومة واحدة وما إشارتي هنا إلى محمد الشرقاوي إلا كرمز من رموز المنظومة وهي منظومة الأدب الإسلامي أي الرؤية أو النظرة الكلية لله والإنسان والكون والحياة والدفاع عن قيم الحق والعدل والخير والحرية أي أن يكون الأدب دعوة ورسالة هادفة وذلك بعكس منظومة أدعياء الماركسية الذين انقلبوا بعد الستينات إلى الغموض والألغاز فلم أفهم شيئا مما كتبه صلاح عبدالصبور في يومياته وفي دواوينه الأخيرة وأما بدر شاكر السياب فقد كان هو الأخر من أنصاف المتعلمين وأشباه الجهلة وكان كذلك مضللا منافقا متسلقا انتهازيا منحطا بدليل أنه كتب قصيدة مدح عن عبدالكريم قاسم الشيوعي وفي اليوم التالي حدث انقلاب عبدالسلام عارف القومي فكتب عنه أيضا قصيدة مدح والغريب والأهم أن القصيدتين كتبهما بالشعر العمودي مع أنه كان من رواد شعر التفعيلة .
أما محمد الشرقاوي فهو شاعر ملتزم مثالي هادف صادق ونجد ذلك حين يقول في إحدى قصائده وهي بعنوان ” وماذا بعد ” :
وماذا بعدُ يا وطني وعمرُك ضاع في المحنِ
ظلامُ الليلِ يأسرنا. ونور الفجرُ في حَزَنِ .
ويقول في قصيدة أخرى بعنوان ” صرخة طفل ” مسقطا التاريخ على واقع الأمة الإسلامية من خلال استدعاء الشخصيات التاريخية فيقول في مطلعها :
أقبلْ بجيشِك مسرعـًا يا بن الوليد
يا سيفَ ربي
أقبلْ
فإن الكربَ في وطني شديد
وأخيرا أعودُ وأكررُ سؤالي في عنوان المقال : أيهما أفضل ، بدر شاكر السياب أم محمد الشرقاوي وأقصد بوجه عام الهجوم على الماركسيين دفاعا عن الأدب الإسلامي وهذه قضيتي في كل كتاباتي .