الدين الإسلامي الحنيف يدعوا إلى الصلاح والإصلاح، ويأمر بالخير، وينهى عن الشر، ويجب على المسلم أن يعلم علم اليقين أن الإفساد في الأرض من شِيم المجرمين، وطبيعة المحترفين فيه، فعمل المفسدين ضياعٌ للأملاك، وضيق في الأرزاق، وللأسف الشديد؛ يحوّل المجتمع إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وينقَض الكبير فيها على الصغير، وينتقم الغني فيها من الفقير، وبالتالى يزداد الغني فيها غنًا والفقير فقرًا. ومن ينظر إلى جميع الشرائع السماوية يجد أنها نهت كلها عن الإفساد في الأرض، بل ودعت جميعها إلى عدم معاونة الفاسدين والمفسدين، وتجنب الانقياد لهم، وأثبتت أن من أعانهم أو تستر عليهم فهو شريك لهم.
خمسون آية في القرآن الكريم تتكلم عن الفساد، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، والله يعلم المفسد من المصلح، والناظر في القرآن الكريم يجد أن الحق تبارك وتعالى وضع عقوبةً للمفسدين في الدنيا بالقتل أو الصلب أو القطع، وفي الآخرة العذاب واللعن وبئس الدار جهنم. ومن صور الفساد في هذا المجتمع الذي نعيش فيه: نهب المال العام، والرشوة، والتربح من الوظيفة، واستغلال المناصب، واستغلال المال العام لمصلحة شخصية. ففي غزوة خيبر، كان أن مات رجل من المسلمين وامتنع المصطفى عن الصلاة عليه، فتغيرت وجوه الصحابة، فلما رأى رسول الله ذلك قال عن هذا الرجل أنه غل فى سبيل الله، ففتّشوا متاعه فوجدوا فيها خرزين من خرز اليهود تساوي درهمين. والكثير منا اليوم إلا من رحمه ربي لا يتورع عن استخدام المال العام لتحقيق مصالح شخصية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا؛ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه.
أما العقوبات في القانون الوضعي، فإنه إذا ثبت ارتكاب الموظف لمخالفة وثبت تورطه فيها، توقع عليه إحدى العقوبات الآتية تدريجيا: لفت النظر، أو الإنذار، أو الخصم من مرتبه خمسة عشر يومًا، أو الحرمان من العلاوات أو الترقيات، أو الإنذار بالفصل، أو الوقف عن العمل مدة ستة أشهر، وهذه العقوبات ليست كافية. أما عن علاج الفساد المالي المستشري فيتمثل في التمسك بالأمانة كخلق قويم من أخلاق الشريعة الإسلامية، والرضا بما قسمه الله لك من رزق، وتنفيذ أقصى عقوبة لمن يثبت تورطه في إضاعة المال العام.