عالم ” الفيس بوك ” كما أراه .. رؤية من العمق
بقلم/ الكاتب الصحفي
النائب محمود الشاذلي
حوار بعد منتصف الليل دار بينى وبين قريبى وصديقى العزيز الكاتب الصحفى الكبير الصديق والزميل الأستاذ أكرم القصاص رئيس التحرير التنفيذى لجريدة اليوم السابع بشأن مايحدث عبر ” الفيس بوك ” من حوار وصل إلى تدنى غير مسبوق حتى أصبح منطلقا للعفن ونبعا للانحطاط ، بل وأصبحت صفحات ” الفيس بوك ” منصات سب وشتم وتطاول بين الجميع الأمر الذى كان من نتيجته المأساويه سقوط الجميع من أعين الجميع وهذا مؤشر خطر ينذر بكارثة مؤداها إنهيار الكيان المجتمعى برمته .
الأمر ليس أمرا شخصيا يحدث فى بلدة بعينها أو مجتمعا بذاته بل أصبح ظاهره تتعايشها كل البلدان فى وطننا الغالى ، وما بلدتنا بسيون إلا نموذجا مكررا لما يحدث فى كل ربوع الوطن ، الأمر الذى أصبحت فيه أتحفظ وبشده على منطلقات حرية الرأى والتعبير ، طبقا للمفاهيم الحاليه التى أوصلت الشعب إلى هذا المستوى البغيض ، وطالما كانت تلك الحريه بابا لتدمير الوطن الغالى ، وسحق إرادة الشرفاء الذين هم كل أبناء الوطن ، وإهانة المسئولين والشخصيات العامه والتقليل من شأنهم وتشويههم دون مراعاة لأى أخلاقيات ، أو معايير فى التناول يحكمها الدليل والمستند والحجه والبيان فى إطار من الموضوعيه والإحترام وبلا إسفاف ، وكأن قدرهم أنهم مهانون طالما تولوا مسئوليه مجتمعيه تصب فى خدمة الناس وهذا منتهى الظلم .
لعل ما أوصلنا إلى هذا المستوى عدم ردع هؤلاء ، وعدم وجود ضوابط حاكمه لتلك الصفحات ، خاصة بعد تزايد الأكاونتات الوهميه على ” الفيس بوك ” التى دشنها مأجورين يتم إستخدامهم للتطاول على خلق الله وتصفية الحسابات وهذا أمر بشع للغايه وغير مسبوق فى العلاقات الإجتماعيه فى وطننا الغالى ، الأمر الذى إستقر معه اليقين بأن الحريه المطلقه مفسده مطلقه . بل إن الحريه بهذا النهج منطلقا لتدمير المجتمعات عن كاملها ، ويبقى أنه من أمن العقاب أساء الأدب واقعا فى الحياه ، لذا يتعين على أجهزة الدوله فى القلب منهم مباحث النت بما تملكه من تقنيه حديثه تحدد أماكن تواجد أصحاب تلك الصفحات الوهميه أن تتدخل وبسرعه لإعادة فرض الإحترام فى واقع الحياه بعد أن أصبح الأمر جد خطير .
فيما مضى كنت أظن وكثيرا مابعد الظن إثم أن الفيس بوك سيدفع بنا إلى الإنطلاق إلى رحاب العلم والمعرفه والصداقات المحترمه التى تتسم بالنبل وتتحلى بالشرف ، كما أنه كثيرا ماسيستفيد منه كثير من الباحثين فى كافة علوم المعرفه . بل إنه يمكن له خلق جيلا من المثقفين على أعلى مستوى من الرقى ، والسمو ، والرفعه ، والإحترام ، والوعى ، والفهم ، والإدراك ، ولديهم قدره على الطرح الجيد فكرا وسلوكا وقد يكون لهم رؤيه ، ليس بالضرورة أن يكون هؤلاء من المشاهير أو حتى لهم علاقه بمهنة الصحافه ودروب الكتابه ولكنها الفطره السليمه والتربيه الأصيله ، ويمكن لهم أن يكونوا بتفاعلهم وفكرهم ذا شأن يصل إلى مستوى مثقفين متخصصين كبار لأنه لايحكمهم أى حسابات أو هوى شخصى عند التناول قد تجعلهم مكبلين بأغلال الفكر والعقل ، إنما يحكمهم الحس الوطنى ، والمصلحه العامه ، والرغبه الصادقه فى أن يعم الحق ، والخير ، والجمال كل العالم فى القلب منه مصرنا الحبيبه ، لذا نجدهم يتناولون قضايا هامه ومؤثره فى آخرين ، لكن للأسف الشديد لم يتحقق ذلك اللهم إلا ماندر وهنا يبرز مكمن الخطوره وأصل الداء .
إنطلاقا من ذلك إتفقت وبشده مع من قالوا إن عالم ” الفيس بوك ” أصبح أضراره أكثر من منافعه فى بلد كمصر رغم عراقتها إلا أن سلوك الناس فيها يحتاج إلى سيف العدالة البتار ، وسطوة القانون الرادع حتى تستقيم الحياه ويتم ردع المتنطعين خاصة وأنه عالم وهمى ، وافتراضي بامتياز .. أقول ذلك إنطلاقا من واقع مرير وأليم فرض رؤية تتفق تماما مع كونى أنتمى سياسيا إلى ” الوفد ” فى زمن الشموخ حيث الحرية المسئولة ، والمنضبطة ، وإلى مدرسة صحفيه تخاطب العقل ، وتنطلق من الوجدان ، محاورها جاءت عبر تجارب شخصية تجعل من الإنسان محور اختبار حقيقى لذا يكون رأيه محل إتزان لأنه لم ينطلق لا من عالم وهمى ، أو عاطفة جامحة ، أو ريبة سببها موقف محرج ، أو مؤلم ، أو مخجل تعرض له عبر ” الفيس بوك ” .
كشف التدنى الذى سيطر على مجريات ” الفيس بوك ” أنه بات من اليقين أنه لايمكن لمن يفتقد للحب الذى هو نبراس الوجود أن يكون إنسانا سويا ، ومن لايعشق التواد الذى به تسمو نفس الإنسان ، ولا يتجرد من أى هوى ، ولايقدم دائما الخير كل الخير لبنى البشر أن يكون جديرا بالإحترام . أتصور أنه بات من الواجب بتر من يتمسك من هؤلاء بهذا النهج اللعين عبر الفيس بوك بل وأعتبر ذلك واجبا مستحقا إذا كنا حقا ننشد وبصدق النهوض بمصرنا الحبيبه .
بمنتهى الإحترام وشديد الموضوعيه مصر ليست وطنا للإجرام بل تاجا على كل الرؤوس ، لذا لايمكن أبدا الصمت حيال من يرسخ للبلطجه منهج حياه عبر ” الفيس بوك ” ، والإدراك الجيد أنه لايمكن للبعض من الناس الذين فقدوا القدره على التعايش بإحترام فى هذا المجتمع وتمتعوا بـــ ” طول اللسان ” أن يفرضوا فى واقع الحياه هذا النهج اللعين القائم على إهانة الناس والحط من قدرهم والتطاول عليهم وسبهم والتجاوز فى حقهم ، إنطلاقا من الأحقاد ، والكراهيات ، والمكائد ، والدسائس والسوء من القول ، ولايمكن لمن لايتمتع بالأدب ، والإحترام أن يكون ذا قدر فى المجتمع مهما فعل الأفاعيل ، ومهما قدم من تنازلات .
خلاصة القول .. إذا كان هذا النهج اللعين قد ابتلى به البعض فى أماكن عدة انطلاقا من الفيس بوك دون ردع فإن الردع الآن واجبا مستحق إذا أردنا الحفاظ على مصرنا الحبيبه والترابط المجتمعى فى هذا الوطن الغالى ، بل إن ضبط سلوك المتجاوزين بالفيس بوك وردعهم ، والعمل على فرض الرقى على جميع مستخدميه لم يعد من قبيل الرفاهيه أو حتى منطلقا للإختيار خاصة مع هؤلاء الذين فقدوا القدره على التعايش مع الإحترام .