الصومال وإرهاصات المرحلة المقبلة
بقلم/ وليد أحمد وفيق
مع اقتراب عام 2020 على طي أوراقه سجلت شهوره المتتابعة تطورات مهمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية في الصومال، تصدر تنظيم حركة الشباب الإرهابية المشهد.
وسجل خلال هذا العام تجدد الخلافات بين الحكومة الصومالية والمعارضة حول أسلوب إدارة البلاد، ما أوصل الطرفين إلى طريق مسدود، وسط اتهامات للرئيس محمد عبدالله فرماجو بتخييب آمال الصوماليين في العبور إلى دولة المؤسسات.
ومنذ بداية يناير/كانون الثاني الماضي تصاعدت حدة التجاذبات، إذ تتهم المعارضة حكومة مقديشو بشكل مستمر بالتدخل في شؤون الولايات، وافتعال الأزمات الأمنية لنسف الانتخابات في ولايتي جوبالاند وغلدمج.
وتحدثت المعارضة الصومالية، آنذاك، عن أن حكومة فرماجو ترغب في إيصال مرشحيها إلى السلطة، وهو ما فسره مراقبون بأنه محاولة لإعادة المركزية والتخلي عن الدستور الفيدرالي.
واتهمت المعارضة حكومة فرماجو أيضاً بالعمل وفق أجندتها الخاصة، واتباع أساليب سياسية متطرفة في الداخل، والاستفراد برؤيتها لإدارة ملفات السياسة الخارجية، مثل قرار طرد مبعوث الأمم المتحدة في مقديشو يناير كانون الثاني الماضي.
وفي مطلع 2019، أيضاً ارتكبت الحكومة الصومالية خطأ بإجازتها قانون النفط، قبل حسم الخلافات في الحدود البحرية مع جارتها كينيا، وهو ما قاد نيروبي إلى قطع علاقاتها مع مقديشو، وهنا أكدت المعارضة أن سلسلة الأخطاء هذه أدت إلى تشويه سمعة البلاد أمام المجتمع الدولي.
وبحلول مارس آذار من العام نفسه، أعلنت وحدات من الجيش الصومالي انسحابها من بعض المواقع والقواعد العسكرية، احتجاجا على عدم صرف رواتبها.
وتشير مستجدات الأوضاع في الصومال عن حالة مخاض متعثرة بعض الشيء بالنسبة للمصالحة الوطنية في البلاد؛ فقد تنامت في الآونة الأخيرة حالة الصدام السياسي بين الحكومة المركزية في مقديشو ورؤساء الولايات الإقليمية على خلفية استمرار العديد من المشكلات التي تؤرق حكام الولايات، وهي المشكلات التي تتعدد أبعادها ومستوياتها، وجميعها تمت الإشارة إليها مراراً وتكراراً من خلال أكثر من بيان صادر عن رؤساء الولايات عبر ما يطلق عليه(مجلس تعاون الولايات الفيدرالية)، والذي سبق وأن أطلق مؤتمره الأول في كسمايو عاصمة ولاية جوبالاند خلال شهر أكتوبر من عام 2017، ومن خلال مجمل مؤتمرات هذا المجلس ومنها مؤتمره التشاوري الأخير، يمكن استخلاص أهم نقاط الخلاف والتوتر الحالي بين الولايات والحكومة المركزية؛ فعلى المستوى السياسي يتحفظ رؤساء الأقاليم على قيام الحكومة المركزية في مقديشو ــ من وجهة نظرهم ــ بإهمال شرعيتهم وأحقيتهم في مشاركتها كافة القرارات السياسية الحاسمة والمؤثرة في مسيرة البلاد الديمقراطية عبر النظام الفيدرالي، إلى جانب تحفظات أخرى تتعلق بتقليص دور الولايات في الإسهام الفعلي في عملية مراجعة دستور البلاد، والتلكؤ في تهيئة الأجواء الصومالية للمضي قدماً في إجراء انتخابات عامة في ربوع البلاد بنهاية عام 2020، وهو مجملاً ما يترتب عليه استمرار فشل مؤتمر البلاد الوطني المتعلق بتلك المراجعة الدستورية وبمجمل العملية السياسية في البلاد، بينما على المستوى الإداري والاقتصادي، يمتلك حكام الولايات العديد من التحفظات على الحكومة المركزية في مقديشو، وخاصة ما يتعلق بملفى تقاسم الثروات والسلطات في البلاد، إلى جانب ما يعتبره هؤلاء الحكام تدخلاً سافراً من الحكومة المركزية في توجيه الشئون السياسة والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالولايات وفق الرؤية الخاصة بمقديشو، وهو ما يتنافى من وجه نظرهم مع دستور البلاد، وإجمالاً يتهم قادة الولايات الإقليمية، الحكومة الفيدرالية بعدم احترام الثقل السياسي لحكومات الأقاليم الفيدرالية، وهضم حقوقها الدستورية وحصصها القومية، والسعي إلى الإطاحة بهم.
وعلى ذكر السجال الحادث في الولايات والأقاليم الصومالية، تجدر الإشارة هنا إلى مستجدات انتخابية حادثة في بعض هذه الولايات، قد يكون لها آثار جذرية في توجيه المزاج السياسي والانتخابي لدى الصوماليين في المرحلة القادمة، وتعد التدخلات السافرة لحركة الشباب المتشددة في ولاية جنوب غرب الصومال، إحدى ركائز هذه المستجدات المشار إليها؛ ذلك أن الحركة قامت خلال أحد بياناتها باستتابة شيوخ العشائر الذين شاركوا في انتخاب نواب البرلمان الفيدرالي الصومالي وبرلمانات الولايات الإقليمية، بل وأمهلتهم خمسة وأربعين يوماً لإعلان توبتهم عن كل ذلك أمام قيادات الحركة، وهو ما سيكون له ما بعده من تأثيرات كبيرة في نفوس العشائر تجاه أية عمليات انتخابية قادمة
ومن مستجدات الوضع الصومالي أيضاً، عودة الحالة الأمنية الصومالية إلى التدهور والتراجع مجدداً؛ فقد استغلت جماعة الشباب المتشددة، حالة الصدام السياسي المشار إليها سابقاً في البلاد، لاستئناف ضرباتها الموجعة في الداخل الصومال وفي العاصمة مقديشو؛ فخلال أسابيع ماضية شهدت العاصمة سلسلة تفجيرات أودت بحياة عشرات الصوماليين منها تفجيرات استهدفت وزارة العمل ونقاط تفتيش أمنية أمام البرلمان الصومالي في مقديشو، إلى جانب تفجيرات أخرى منها تفجير استهدف أحد الفنادق الكبيرة في مدينة كيسمايو خلّف خمسين من المصابين وسبعة قتلى من بينهم نائب وأحد الوزراء في الحكومة الإقليمية
ورغم التصريحات الإيجابية لأفريكوم والحكومة الصومالية بشأن مقتل ما يزيد على ستين عنصراً قيادياً من عناصر الصف الأول بحركة الشباب مؤخراً خلال ضربات للجيش الأمريكي، إلا أن جهود الحركة لا تزال حثيثة نحو الانتقال من إقليم جنوب الصومال إلى وسط الصومال، من أجل مهاجمة السكان المدنيين الرافضين للحركة ولكل ما تقوم بفرضه عليهم من أموال وإتاوات على أن من أخطر مستجدات الوضع الأمني في الصومال، ظهور تكتلات إرهابية جديدة بخلاف جماعة الشباب المتشددة، وعلى سبيل المثال يوجد كل من تنظيم داعش الإرهابي، وجماعة صاعدون بالحق في بونتلاند
ووفق مؤشرات ومستجدات الحالة العامة في الصومال وما يرتبط ويتعلق بها من توجهات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، فإنه يمكن القول إن مجمل هذه الأوضاع، باتت أسيرة لنتائج المواقف الخاصة للرئيس الصومالي، وهذه المواقف وإن كانت تسير وفق متطلبات السيادة الصومالية في معظم الأحيان، إلا أنها أدت إلى تحولات شاملة على مستوى العلاقات المحلية والإقليمية والدولية للصومال ككل؛ فعلى سبيل المثال، أدى موقف الرئيس الإيجابي تجاه الدعم القطري للصومال، على حساب الدعم الإماراتي، دوراً سلبياً في مسار العلاقات الخارجية للصومال من جهة، ومسار العلاقات الداخلية بين الحكومة المركزية ورؤساء الأقاليم المتمسكين بالمصالح الخليجية من جهة أخرى، وهو ما أفضى في النهاية إلى بروز تأثير خليجي سلبي على النواحي الاقتصادية والسياسية لا يزال يظهر صداه ضمنياً داخل المسار السياسي والاقتصادي الصومالي، انطلاقاً من تداعيات ما يعرف بأزمة الخليج
وقد بات واضحاً في الآونة الأخيرة أن المواقف الصارمة للقيادة الصومالية الحالية بزعامة الرئيس الصومالي، لم تكن مناسبة في كل الأحيان، كما أن بعض المواقف المهادنة لم تكن كذلك، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة الصومالية، ما يعني معاناة القرار السياسي الصومالي من عدم التوازن والانسجام، وهو ما قد يفسره ويؤكده تكرار توتر علاقات الصومال الراهنة مع أطراف خارجية عديدة، كما توضحه مواقف عديدة للقيادة الصومالية، يتأكد للبعض من خلالها معاناة السياسة الخارجية للصومال من ظاهرتين خطيرتين”هما التسرّع في اتخاذ القرارات المصيرية، وازدواجية المعايير في التعامل مع علاقات الدول ويضاف إلى هاتين الظاهرتين ما تعانيه السياسة الصومالية الراهنة من حالة تردد كبيرة تنتابها بشأن الانخراط الجدي والفاعل في محيطها الإقليمي، الأمر الذي دفع البعض إلى طرح تساؤلاته بهذا الخصوص قائلا لماذا يدير الرئيس الصومالي محمد عبدالله ظهره لترتيبات التعاون الإقليمي بعد أن تجاوب معها في البداية؟
وخلاصة مستجدات الوضع الصومالي تصب في اتجاه المزيد من الأزمات البينية بين المركز والإقليم، جنباً إلى جنب مع تراجع السياسة الخارجية في بعديها الإقليمي والدولي بفعل الوضع الصومالي المشتبك والمعقد على المستوى الداخلي، والذي يعيق تفرغ الحكومة الصومالية لإدارة ملف السياسة الخارجية للصومال بشكل متوازن وفعال، هذا بالإضافة إلى تصاعد الضربات الأمنية وتوسع النشاط الإرهابي وتعدد جماعاته، وهذه المؤشرات الإجمالية، تصب جميعها في سحب الرصيد الجماهيري والشعبي من بين يدى القيادة السياسية الحالية في الصومال؛ إذ من المحتمل أن يتمخض المسار الصومالي الحالي عن تراجع كبير في شعبية الرئيس الصومالي، قد يترتب عليه إشكاليات سياسية عديدة عليه أن يواجهها خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة ولعل تكرار التظاهرات الشعبية في العاصمة مقديشو، والتي رفع خلالها المتظاهرون مطالبات بعزل الرئيس، تؤكد وجود مثل هذا الاحتمال.