التدخل الفرنسي في لبنان جذوره وأبعاده
بقلم/ وليد أحمد وفيق
يعود تاريخ التدخل الفرنسي في لبنان الى ما قبل حقبة الاحتلال الفرنسي للبنان، حيث ارتبطت الطوائف الكاثوليكية اللبنانية بالكنيسة الكاثوليكية في فرنسا ثم أعقب ذلك الاحتلال الفرنسي للبنان من سنة 1920 إلى سنة 1943 وهو الاحتلال الذي نتج عن الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية، وبحكم اتفاقية سايكس بيكو، التي تم تأييدها آنذاك من عصبة الأمم وأجازت تقسيم إرث الإمبراطورية العثمانية بين فرنسا وانجلترا وهما الامبراطوريتين الحاكمتين في ذلك الوقت، إلى أن أعلن عن استقلال لبنان عام 1943 والذي على أثره انسحبت القوات الفرنسية في 17 ابريل عام 1946 وهذا التاريخ يسمى عيد الجلاء في كلا من سوريا ولبنان .
لذلك لم يكن غريبا أن يبادر آلاف اللبنانيين لتوقيع عريضة تطالب بعودة الانتداب الفرنسي عقب تفجير ميناء بيروت، لان هناك جزء من الشعب اللبناني يشعر بارتباط ثقافي مع فرنسا، ويعد ذلك من أوجه الخلاف التي أخذت اشكال دامية بين اللبنانيين ومن الانقسامات التي مهدت للحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 حيث كان الخلاف على الهوية اللبنانية، إذ كان اليمين اللبناني ينادي بفينقية لبنان، فيما كان اليسار والتيارات العروبية والقومية تنادي بعروبته، وأحد أوجه تلك الهوية الفينيقية التماهي مع الثقافة الفرنسية والاعتداد بها، مما كان يستفز الطرف الآخر ذي الولاءات العربية، وبالطبع كان لتلك الانقسامات أرضية طائفية، مع اعتبار السياسيين الموارنة خصوصا، والمسيحيين عموما أنهم يدينون بالولاء للغرب وفي مقدمته فرنسا،وفي أدبيات التيارات الطائفية المسيحية فإن فرنسا ستهب دوما لحماية المسيحيين اللبنانيين من اي خطر وجودي .
ويعد المعهد الفرنسي مركزا ثقافيا أساسيا في العاصمة اللبنانية يتولى تسهيل معاملات الطلاب اللبنانيين الراغبين بمتابعة تعليمهم في فرنسا، وكذلك تدار معظم المدارس الفرانكوفونية في لبنان من قبل رهبانيات تابعة للكنائس الكاثوليكية، كما يتعلم الطلبة اللبنانيين اللغة الفرنسية كلغة اساسية، إلى جانب اللغة العربية.
ونتيجة ذلك الارتباط التاريخي والثقافي فهناك تصميم فرنسي على مساندة لبنان، وإنجاز الإصلاحات الضرورية التي يحتاج إليها لبنان، وهذا ما أكده وزير الخارجية الفرنسي چان لودريان في زيارته للبنان في أول زيارة خارجية منذ نفسي جائحة كورونا إلى البلد الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، ويأمل في التوصل إلى خطة إنقاذ دولية تنقذه من الانهيار، وكما قادت فرنسا الجهود الدولية لدفع لبنان الى إجراء إصلاحات واستطاعت في عام 2018 بإستضافتها مؤتمر سيدر للمانحين الدوليين، والذين وعدوا خلاله بتقديم أكثر من 11 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية في لبنان، وبشرط تنفيذ الإصلاحات التي تم التعهد بها،غير أن فرنسا تسعى إلى لبنان كأحد مستعمراتها القديمة، لحمايتها من التدخل الايراني متمثلا في حزب الله وحركة أمل التابعين لايران، ولمواجهة النفوذ التركي المتنامي في لبنان عبر بعض الطوائف التركمانية.
ثم أتى حادث تفجير مرفأ بيروت الدولي ليهرع الرئيس الفرنسي ايمانويل كامرون بعد التفجير ب48 ساعة، ليؤكد أن لبنان ليس وحيدا في محنته، تأكيدا على الدور الفرنسي في لبنان، وماكرون ليس الرئيس الفرنسي الوحيد، الذي ذهب إلى هناك فقد سبقه إلى ذلك في مناسبات وأزمات سابقة الرئيس الفرنسي الأسبق چاك شيراك وغيره من الرؤساء الفرنسيين،فضلا عن رؤساء الحكومات المتعاقبة،والوزراء الحكوميين كل في مجال تخصصه، والذين يهبطون على الأراضي اللبنانية، لتأكيد مساعيهم أن لبنان يحظى بمكانة خاصة لدى فرنسا، لدواعي الثقافة والإرث الاستعماري القديم، وكذلك بدافع حماية الطوائف المسيحية الكاثوليكية اللبنانية، ويدافع حماية لبنان نفسه من النفوذ المتنامي لكل من تركيا وإيران في ذلك البلد الشرق اوسطي والمتوسطي.