مها السحمراني
خلص تحقيق مستقل نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إلى نتيجة لافتة بشأن مادة “نيترات الأمونيوم” التي خُزنت بشكل سيء في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت، وأدى إنفجارها في 4 آب الفائت، إلى “تدمير نصف العاصمة اللبنانية ومقتل أكثر من 170 شخصاً وجرح حوالي 7 آلاف آخرين وتشريد 300 ألف نسمة”.
وتشير الصحيفة إلى أن “خوف المسؤولين الرسميين الذين كانوا على علم بوجود هذه المواد في المرفأ تركز على مخاطر سرقتها، في المقابل لم يكترثوا لخطورة وجودها في العاصمة على مقربة من المنازل والشركات”.
وبحسب الصحيفة فإن “الانفجار الكارثي سبقته قصة 7 سنوات من الإهمال الرسمي وعدم الكفاءة واللامبالاة، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذا كان أي مسؤول في لبنان قدّر تماما الخطر الذي تشكله وجود نيترات الأمونيوم لسنوات، أو حتى اهتم لمعرفة ذلك، هذا فضلا عن اتخاذ خطوات لردع أي خطر تسببه وجود هذه المادة شديدة الانفجار”.
وذكرت الصحيفة بأن “التحركات قبل أيام من الانفجار، كانت غير عادية وتحديدا في “العنبر 12″ الذي شهدت تخزين 2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم لأكثر من 6 سنوات”.
ووفقاً للوثائق التي حصلت عليها الصحيفة الأميركية، فإن “العمل على إصلاح الباب المكسور، وسد الفجوة الموجودة في الجدار الجنوبي للمستودع، والتأكيد على إحكامه جيدا، استمر حتى ظهر يوم الانفجار”.
يقول مسؤول أمني لم يكشف عن هويته، بأن “الثقب الصغير في الجدار الذي تم إصلاحه بأمر قضائي، بدا أنه “من صنع الإنسان”، في إشارة إلى أن الفجوة جنوبي المستودع جاءت بفعل فاعل، وهذا ما أثار جملة أسئلة حول تعرض هذه المواد الخطرة لسرقة منظمة طوال فترة بقائها على المرفأ، بعمل بعض المسؤولين هناك، وكذلك عن الجهة المستفيدة من سرقة مواد تستخدم في التفجيرات وصناعة الصواريخ”.
وكانت مادة نيترات الأمونيوم، “نقلت عبر سفينة تدعى ريسوس، وتحمل علم مولدوفا، قامت برحلة افتراضية بين جورجيا وموزمبيق، لكنها توقفت في بيروت، نوفمبر 2013، في الوقت الذي احتجزت فيه السلطات اللبنانية السفينة بعد تأكيدات أحد الدائنين، بأن مستأجر السفينة مدان له بالمال، فيما أمر القضاء اللبناني بتفريغ الحمولة إلى داخل المرفأ؛ لأن السفينة المتهالكة تواجه خطر الغرق، وذلك بعد 6 أشهر من توقف السفينة في العاصمة اللبنانية”.
وجاء في الأمر الذي وقعه القاضي جاد معلوف، أن “السفينة تحمل مواد قد تكون خطرة على الميناء”، ويمكن للحكومة “نقل المواد الخطرة إلى مكان آمن طالما أنها تحرسها وتتخذ كافة الإجراءات الاحترازية مع علمها بأخطارها الكبيرة”.
ويقول المحققون إن “سبب الحريق أو الانفجار الاولي الذي تسبب في الانفجار الهائل لا يزال مجهولا، فيما يشير مسؤولون أمنيون إلى أنهم يحققون في احتمالية تعمد إشعال حريق لإخفاء أدلة على سرقة كميات من نيترات الأمونيوم”.
وقال خبير الحد من التسلح والأستاذ في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، جيفري لويس، إن “الأمر الواضح هو أن مزيج المواد المخزنة معا في العنبر 12 خلق “وضعًا خطيرا للغاية”، مضيفا “كل هذه الأشياء تسببت في نشوب حريق ومخاطر متفجرة بطرق مختلفة، لذا فإن جمعها جميعا معا هو أمر يدعو إلى الريبة”.
في المقابل، “يؤكد خبير المتفجرات العسكري الأميركي السابق الذي يعمل الآن مع منظمة العفو الدولية، برايان كاستنر، نظرية سرقة كميات من هذه المادة”.
ويؤكد المحققون أن “العديد من الأسئلة لا تزال دون إجابة، مثل من صاحب الشحنة في الأصل، وما هي وجهتها الحقيقية، وما إذا كان قد تم تحويلها عمدا إلى بيروت، لأحد الأطراف المشارك في حرب سوريا، في إشارة واضحة إلى أن يكون حزب الله هو مالك هذه الشحنة”.
وكان تقرير من جهاز أمن الدولة، رفع للرئيس اللبناني ولرئيس الوزراء، في 20 يوليو الماضي، يشير إلى “مخاوف من سرقة المادة من المرفأ، حيث أوضح التقرير أن احتمالية صناعة متفجرات من هذه المادة واردة، حال سرقتها”.
وكان الصحافي الاستقصائي في قناة الجديد اللبنانية، رياض قبيسي، “قد طرح جملة أسئلة على رئيس الحكومة الذي وصله التقرير حول وجود هذه المادة، وقد أعلن عن نيته التوجه إلى المرفأ خلال أيام للكشف عليها، ومن ثم عاد وغير رأيه، وهنا طرح السؤال من طلب من رئيس الحكومة السابق عدم القيام بهذه الزيارة بحجة أن المواد غير خطرة.
وأشار التقرير إلى “بعض الأجهزة الأمنية قالت صراحة إن هذه المواد تشكل “كارثة” ولكن تركيز المسؤولين انصب على “مخاطر السرقات”، ولذلك كان التوجه بإغلاق الفجوة والأبواب.
وقال العقيد نبيل خنكرلي قائد فوج إطفاء مدينة بيروت إن “المسؤولين في الميناء الذين ربما كان لديهم مفاتيح العنبر، عادوا إلى منازلهم يوم الانفجار”، بينما يُظهر مقطع فيديو لثلاثة من رجال الإطفاء يحاولون يائسين فتح أحد الأبواب الحديدية المغلقة بإحكام، حيث تصاعد دخان أسود كثيف من النوافذ الضيقة للمستودع.
وكان في داخل المستودع مزيجا ساما من المواد الكيميائية، بما في ذلك “الكيروسين و25 طنا من الألعاب النارية، والمذيبات المستخدمة في تجريد الطلاء، ومواد أخرى قابلة للاشتعال”.
وأمر النائب العام غسان عويدات، “بإغلاق المستودع بناء على طلب من جهاز أمن الدولة في البلاد”.
ويقول عويدات، إنه “لم يتم إخطاره بمحتويات المستودع أو المخاطر الكاملة التي تشكلها نيترات الأمونيوم، عندما طلب جهاز أمن الدولة إذنه لتأمين المنشأة”.
وأضاف أن جهاز أمن الدولة “اتصل بي وقالوا إنهم يخشون السرقة”، موضحا “أخبروني أن هناك نيترات، لم يخبروني بوجود مواد أخرى، أخبرتهم بتأمين المكان وإغلاقه حتى لا يتمكن أحد من سرقته”.
لم يترك الانفجار أي أثار لإمكانية وجود تحقيق يحدد السبب الدقيق وراء الحريق، بعد أن “أسفر عن حفرة مائية كبيرة أوجدها الانفجار في مكان “العنبر 12”.
ويقول فابيان طبرلي، مدير شركة “نيغما كونسل”، وهي شركة استشارات أمنية واستخباراتية لها مكاتب في لبنان حللت الانفجار، إن “سبب الحريق الأولي قد لا يكون يعرف على الإطلاق”.
من جانبه، قال الصحافي رياض قبيسي، إن “جميع الأحزاب السياسية اللبنانية تحافظ على تواجدها في المرفأ، وتستخدم المنشأة للتهريب الرشاوى”.
ورغم مرور شهر تقريبا على وقوع الانفجار، “تبقى مجموعة الأسئلة هذه بلا إجابات، وأبرزها عن الشحنة وكيف وصلت إلى لبنان؟ وعن لمصلحة من تم تفريغ هذه الحمولة؟ من أخرج كميات كبيرة منها خارج المرفأ؟ ومن طلب من رئيس الحكومة إلغاء زيارته للكشف عن هذه المواد قبل أشهر قليلة من وقوع الانفجار؟”.