صلوا في رحالكم
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
عن ابن عمر «رضي الله عنهما» أنه نادى بالصلاةِ في ليلةٍ ذات بردٍ ومطر، فقال في آخر ندائه: «ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال»، ثم قال: إن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة، أو ذات مطر في السفر، أن يقول: ألا صلوا في رحالكم» رواه مسلم في صحيحه.
هذا نداء يكشف عن سماحة الإسلام، ورفقه بالناس، وكذلك يكشف عن واقعيته، وإذا كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» بسبب الريح الشديدة، والليلة المطيرة يأمر المسلمين بأن يصلوا في رحالهم، ولا يخرجوا من بيوتهم إلى المساجد، فإن ما اتخذته السلطات في الدول الإسلامية من تعليق الصلوات في المساجد، سواء صلاة الجمعة أو الصلوات الخمس بسبب ما أَلَمَّ بالعالم من انتشار فيروس الكورونا، وهو فيروسٌ سريع العدوى، وكان لا بد من اتخاذ مثل هذا القرار الاحترازي حفاظًا على صحة الناس، وعلى أصحاب القرار ألا يشعروا بشيء من الحرج تجاه هذا القرار الذي قد يحتج عليه بعض المتشددين، لكنه قرارٌ صائب يكشف للعالم سماحة الإسلام، وواقعيته في إدارة الأزمات. لقد فُضِلَ رسول الله «صلى الله عليه وسلم» على باقي الأنبياء بست خصال، قال صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأُحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» رواه مسلم في صحيحه، وهذا الحديث الجامع الشامل من أدلة ظهور الإسلام على غيره من الأديان، وصدق الله العظيم: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة 33.
إذًا، فمن الأدلة على عالمية الرسالة الإسلامية أن الله تعالى جعل للمسلمين الأرض كل الأرض طهورًا ومسجدًا، فأداء الصلاة ليس مقصورًا على مكان دون مكان، بل هو في مطلق المكان، ولهذا نجد أن صلاة العيد الأصل فيها أن تصلى في الخلاء إلا إذا طرأ ما يلزم الصلاة في المساجد بسبب المطر أو غيره من الأسباب.
ولهذا نستطيع أن نقول بلا أدنى حرج: إن «صلوا في رحالكم» حين يقتضي الأمر ذلك، وتتوافر أسبابه هو شعار المرحلة التي نعيشها، وكل مرحلة قد تتشابه ظروفها وظروفنا هذه الأيام، وهذا الشعار وغيره من الشعارات التي تيسر على المسلمين السبل في أداء التكاليف عند تغير أحوال المسلمين، وأن الالتزام بهذا الشعار يبين للناس كل الناس مدى يسر الإسلام ورفقه، ورفعه الحرج عنهم، وهو يدل كذلك على واقعية الإسلام، وأن تكاليفه في أوامره ونواهيه لا تحمل المسلم فوق طاقته، وصدق الله العظيم: (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت…) البقرة 286.
وهذا يعني أن من أدلة استطاعة المسلم على أداء التكاليف أن الله تعالى كلفه بها، فهو سبحانه لا يكلف المسلم إلا ما يطيق، فالنفس قادرة على أن تطيع وعلى أن تعصي، ولولا ذلك ما أمرها سبحانه بطاعة، ولا نهاها عن معصية.
من هنا ندرك عظمة الإسلام ورفقه بالناس، وندرك أيضًا كماله وشموليته بخلاف الأديان والشرائع الأخرى، قال تعالى: (…اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا…) المائدة 3.
هذا هو الإسلام، وهذه هي شعاراته لكل مرحلة من المراحل المتغيرة في حياة الإنسان، وبالأخص حياة المسلم الذي قبل بالتكليف ثقة في المكلف سبحانه، وحكمته فيما يصلح عباده فيما يأمرهم به، وينهاهم عنه، ودليلنا على ذلك…«صلوا في رحالكم»!!.