رسالة المغرب ـ مصطفى بوغازي *
أنين الليل، نقطة تحول، سكرات الصمت، نفس الماء، ماء النفس.. إصدارات وضعتها الشاعرة المغربية فاطمة معروفي بين يدي القارئ العربي بين شعر فصيح وزجل، جمعتنا هذه المؤانسة بشاعرتنا، فحاولنا استجلاء بعض الجوانب في تجربتها الشعرية والتعرف على انطباعاتها في مسائل أدبية وفكرية وما تعلق بسيرتها الذاتية .
ـ بداية، كيف تحب أن تقدم فاطمة نفسها لجمهور القراء ؟
فاطمة معروفي من مواليد الرباط بتاريخ ٣٠/١٠/١٩٧٧ حاصلة على شهادة الباكالوريا بالعلوم الاقتصادية قادتني مكامن التنهيدات، نحو القصيد،فصرت أحيا بين الفصيح والزجل العامي المغربي، كالماء والهواء، أصبحت رهينة ثقل خاضع لجبروت البوح، الذي اضحى كسلطان جائر يقتات من شرايين ذاتي، يسلب الأنفاس نحو أغوار القريحة، التي تستهوي معالم الذات الزائلة، وتبعث بعثا يستدرج الأعماق، بحثاً عن الإنسانية الضائعة، لتتجه نحو حبر مبجل عتيد، ينام على بساط الفصيح، ويعفو على بساط الزجل العامي، فقد اعتمدت في معظم الدواوين الأربعة على أفكار جديدة، بصيغة سجعية منثورة بدرر من الكلام الذي يعلو ويسمو بالأحاسيس الرفيفة، والتفكر بالإبحار نحو معالم الذات الزائلة، ومواضيع تعالج قضايا لصالح الفرد والمجتمع.
أتيت من ضفاف الأنين
وصرخة البوح المتدفق
بين سلطة الحرف والرقم الحي
الحاكم الآمر الناهي
سلطة بها يفتح عبق الخلود
ويكشف بها حجاب النورانية
بعيدًا عن أغوار الذات الزائلة
والنفس وما قيدت
بل اقتيدت مسيرة غير مخيرة
إلى مملكة التنهيدات
وانية الوجد، والوجدانية الكونية
بها سطرت طبيعة الخلق والخلائق
من رياح اللواقح أتينا وإليها نعود
حيث المدار ودورة التكوين ودائرة الخلق
والسر المكنون في عوالم الخفاء والتجلي
والعودة من جديد بميثاق وعهد
أتينا تحملنا الأقدار والمشيئة
والاختيار الصحيح العيش بين ديار الأخيار
لا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة والدمار
بل يجب علينا التغلب
على سلطة الشر بكل إصرار
هذه مبادء الحياة عالم كله أسرار
سلام إلى كل منبر
يحمل السلم والسلام والرضى والنور
لكل الخلق والخلائق.
ـ في ظل التحولات المتسارعة ، هل يمكن أن نقول إن الشعر ما زال يراوح مكانته على المنابر وفي المحافل؟
الشعر بوابة لغة الشعوب والتواصل الراقي من خلاله نفتح مناهج أفكار بأنماط عدة تتشكل في مشاعر وإحساس تلامس الوجدانية إذ يسهم في تغيير مناهج الحياة وأسلوبها ويحمل رسالة هادفة ورؤية صائبة فالأمم لن تصل حد الإرتقاء إلا عن طريق الفكر والثقافة والأدب. بصفة عامة له تأثير كبير في تحريك المجتمع الشعر يظل وسيبقى منبر عتيد في نشر رسائل تحمل قضايا إنسانية تحرك الفكرالانساني بالمجتمعات.
ـ أيهما أكثر خدمة للشعر، حضور المتلقي المتفاعل في الفعاليات، أو الانتشار عبر الوسائط الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي؟
وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في الانتشار السريع لكثير من الأعمال الإبداعية، وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر من السابق، فكلما كان العمل راقياً، باختيار المواضيع التي تشد الانتباه؛ وتخاطب الروح؛ لتصل إلى الوجدان بكل صدق. لذا أكتب بعض الحالات التي أعيشها، وأشعر بها فعلاً، وأغلب القصائد، سواء كانت باللغة العربية أو اللهجة المغربية العامية، تجسد حالات، أترجم إحساسها إن كانت فرحاً، أو حزناً، ليتسلطن الحرف بالتعبير عما يخالجني من مشاعر. فكل ما كان العمل جيداً، يفرض وجوده، ليصل بعمق إلى القارئ الكريم، المهم هو اختيار الموضوع الهادف، والقريب من الواقع، بإحساس عالي، والاعتماد على الحس والموهبة، التي تفرض تميزه، لتصل إلى المتلقي بذوق عالي إذ أصبح التفاعل أقوى من خلال هذه الوسائط التي تعتبر صلة وصل بين القارئ والمتلقي والانفتاح الثقافي بين جميع الدول العربية وأيضا الأجنبية.
–كيف تقيمين الابداع النسوي في المغرب وهل ترين أنه يبرز بشكل جيد شاعرية المرأة المغربية؟
الإبداع والتميز في خلق فكر إنتاجي قادر على استحداث نهضة فكرية أدبية لا يمكن تميزه بين ذكر أو أنثى فهو الحضور القيم الذي يبرز مدى العمل الجيد والبصمة الرائدة التي ترفع من مقام المرء. وللمرأة دور فعال على أرض الواقع وهذا ما نلمسه في الكثير من الأعمال المميزة في شتى الميادين. لقد أنارت شمس المعارف وسقت بأجنحة العلوم أجيال وأجيال فصارت تنافس أخوها الرجل في جميع المجالات فخر ووهج صداح وبؤرة للصلاح وخير دليل إدارتها لمناصب عليا بميادين متعددة. لقد خلقت المرأة لتكون مع الرجل بمسيرة حياتية ملؤها المحبة والتفاهم والتعاون، في نطاق إصلاحي شامل.
– ما مدى تأثير الموروث الشعبي والتراث الشفوي المغربي في شعر فاطمة لا سيما الزجل؟
قادتني مكامن التنهيدات نحو القصيد، فصرت أحيا بين الفصيح والزجل العامي المغربي كالماء والهواء، ولاسيما كنت أرافق كثيرا جدتي للامباركة بنت حمادي كانت بؤرة من العطاء في نسج فن القول وسرعة بديهة رهيبة رحمها الله. كانت تمتاز بحبكة في الكلام الموزون الشعبي وضرب الأمثال الشعبية بطريقة غير مباشر. كانت فنانة بشكل رهيب في غزل فن القول. فتأثرت بها جدا وبشخصيتها القوية وحضورها الجميل في نثر المعاني الشعبية المغربية وتشربت من مدارك معرفتها القوية وتجاربها الحياتية التي كانت لها تأثير كبير على زرع بذرة الزجل الشعبي والغوص في معالمه كجنس من أجناس الشعر الراقي الجميل وذلك بنهج مبدأ سليم في اختيار نمط الكتابة والكلام القوي الذي يملئ الفكر الإنساني بالإيجابيات.
– بالإضافة إلى الشعر، هل تفكر فاطمة في خوض تجارب سردية؟
قريبا إن شاء الله سيكون لي حضور في فن السرد الروائي الذي يحتاج إلى وقت كبير لنسج خطوات دقيقة وتحليل بصور جمالية بشخصيته وأمكنته وأزمنته بالاختيار والتأني في سرد قصة حقيقية مشوقة أنا حاليًا في سلطة الحرف معتكفة لأكون حاضرة بموضوعات تشد انتباه القارئ الكريم بواقعية قريبة من معاناته.
– ماذا أضافت الحركة الإبداعية النشطة في المغرب إلى التجربة الشعرية الخاصة لفاطمة؟ كنت أتمنى المشاركة في المهرجات التي كانت تقام بشكل مباشر مع الجمهور المتعطش للإبداع الحقيقي والتواصل معه لكن لم يسعدني الحظ لأنني كنت مهمشة من طرف العديد من الجمعيات التي كانت تنظم المهرجانات الشعرية الأدبية والتركيز فقط على بعض الشعراء المحتكرين الوسط والذين يتواجدون على مدار دائم، فالحركة الإبداعية لم تكن منصفة ولم تضف لي شيئًا بل أضافت لي التحدي والإصرار للتواجد وبقوة وأن أكون نشيطة وباستمرار لإثبات وجودي داخل الحقل الأدبي ومن هذا المنبر أقول:
الإنسان
خلق ليبدع
في ملكوت الكون
هو ذاك الوقع المحيط بزوايا الحياة الدنيوية
التي تجعل الخطى قادرة على مواجهة مصاعب الأمور
والتقبل الذاتي لعوالم النفس بشرها وخيرها
فأساس التفاؤل هو الصبر والإيمان باليقين
والوصول إلى الهدف المنشود بكل جوارح الحواس
مع الإصرار والتحدي
أما نظرة التشاؤم فهي وجهة مكتسبة
من عوالم نفسية ومؤثرات للعوائق
التي لها شرخ عميق على ذات الإنسان
ووقع سلبي على نفس الشخص
الذي يقع في ضغوطات
بحيث تأسر وتعيق مساره الدنيوي
ليعزل نفسه في قوقعة مقعرة
لا مخرج منها سوى السواد
الذي يدمر حياته ويعصف بأيامه
نحو التدهور وعدم التقبل
وذلك بالهروب من الواقع المعيش
وتصبح له نظرة هدامة
وعتمة لا ترفع ستار التحدي بكثرة الصعوبات
نسعى إلى التعايش والمحبة
بيننا بدون نفاق أواعتراض طريق النجاح
لكل مبدع يريد أن يثبت ذاته
لنجعل خيوط النور تنسج أنفسنا
ونتعايش ونحب بعضنا في الله
لنحيا وسط النفوس الزكية
تحث على إثبات الذات
بإبداعها والإيثار من أجل الغير
والتعايش في بؤرة السلام
والأمان بعون الله.
– من أين تنهل نتاجها الثقافي وخلفيتها المعرفية في إثراء التجربة الشعرية؟
هو ذاك لامتداد الواقع بالذاتي ورابطة التفكر والإيحاء
في خلوة السلام الروحي حقيقة أزلية
والسر المكنون الأكبر يحيط بالأنفاس النورانية
يحرك كونية الكون
“آنية الحرف والنورانية التواجد “
هي التواجد الحقيقي بين الملموس الحي
الذي يشق المدارك للإدراك بعلوم المعارف
ونقاء السريرة رتاجها آنية الوجد والتواجد بين عوالم الملموس وبين عوالم الإيحاء والتفكر وذلك بالإبحار بسفينة خلوة الحرف والرقم الحي
بين الحلم واليقظة
فيأتي الانسياب كدعوة بإشارة أو الرسالة بوح في مملكة الاحتواء الحرف الحي تقود منابع من أنهار
تصب من مناهل المعرفة واسرار خزائن علوية تبحر
عبر معارج الحروف من ندي الحكي وجرض بريق حبر يدمع لصفاء الأنفس من خلال الكتابة
وتجسيدها في صيغ ومواضيع تجلب السمع والبصر والأفئدة هنا يقع الوقع في الوصل التواصل والبلوغ الى ذروة العطاء والرضى الذاتي تحت لواء سلطة السلام لتحقيق المبتغى والوصول الى المنال
أقطف حلما فوق المحال
أراقص أقدام تائهة على صدر الأثير
جدائل القوافي
تسرد خفايا لها عجب المنال
أحرض أنين المساء أروض النسيم أنثر أنغام الروح
لرجف الطبول
أنا يا صوت حشرجة قطع وترها
فقدت معابر البلابل
فلا فضاء ولا ظل
يسكن دروب الوصال
مطالب التمني عبرت أفق السبع الطباق
أناجي عروش ممالك النداء
اغتسل بضوء البياض
ليكشف الداء والدواء.
ـ كيف تتعاملين مع القراءة باعتبارها مدخلا للابداع، وماهي مواصفات النص الشعري الجيد في نظرك؟
المدخل هو تأثر من بوابة الشعور والحضور بقريحة البوح بسلطة لها قوة في غزل صور جمالية وكمالية ذات إيحاء والتفكر والبراعة في اللغة العربية تكمن في كيفية توظيف الأسلوب لايصال النص أو الموضوع في حلل يزهو بها السمع وتطمئن لها الأفئدة. الشعراء العرب قديمًا اجتهدوا ووصلوا إلى ذروة الكمال اللغوي باستحضار قصائد لا زالت حاضرة بحروف قوية حية بحكمة ونباهة عالية ورصانة في ابداع فن القول والحكي منضوية تحت لواء من صيغ تفعيلية لها أسس نظامية في حبكة السطور وقافية معينة على حسب النظم. القصيد الشعري مختلفة أنماط الشعرية المراد ايصالها سواء في الغزل أو المدح والهجاء أوالرثاء إلى غير ذلك. التميز في العطاء هو حضور الحرف المميز يبقى خالدًا كوشم غائر في النفوس البشرية لكل زمان ومكان والعمل الجيد بنص قريب من معانات المجتمع حاضرة يفرض وجوده في النتاج الفكري.
–كيف يتشكل النص الشعري عندك وما هي حدود علاقتك به ؟
فوق الخيال وخارج منظومة الواقع إنه السحر واللذة المعرفة العظمى وهو الانسلاخ الذاتي والحضور في مملكة الحرف الحي لتصل إلى ذروة الكمال بعيدة عن النفس وما تهوى حين يمتزج الشعور بصور الجمال والإحساس تأتي الكلمات والمعاني على بساط البياض لتروى الذات بماء المداد بحروف حية تنقل صور ومشاعر بلا حدود للحرف الحي هو مداد والامتداد للحياة
ـ هل تعتبرين أن اللغة ركيزة أساسية في بناء النص الشعري ،ام أن الفكرة والايحاء وتداعي المشاعر أولى بالنص الشعري بلغة لا تحتاج إلى صناعة؟
اللغة مفتاح وركيزة أساسية للدخول إلى بؤرة النور الفكري للإيحاء والتفكر لايمكن بناء نص شعري إلا بواسطة لبنة أساسية بوضع مقاومات وركائز لغوية لنجاح العمل الأدبي بصفة عامة إلا وستكون هناك عشوائية وللقيمة للنص الشعري بعد ذلك فاللغة العربية لغة الضاد لغة القران الكريم “كلام الله العظيم ” يجب علينا الحفاظ عليها وشملها بالاهتمام الكبير وإعطائها حقها الكامل فهناك أستاذة كبار مختصين في اللغة العربية قادرين على التصحيح اللغوي لأي عمل إبداعي أدبي فالمرجو الاستشارة قبل الخوض في أي عمل أو تنزيله.
– ما هي مشاريع فاطمة المستقبلية؟
حاليًا بصدد نهاية كتابة ديواني الخامس سيكون مفاجأ للجمهور العزيز بصيغة جديدة وأفكار قريبة من معاناة الغير تلامس الإحساس والوجدانية جل المواضيع من واقعنا المعيش سيكون مفاجأة كبيرة للجمهور العزيز.
–كلمة أخيرة. أتقدم بالشكر الجزيل لمنبركم المشع بالعطاء الغزيز والوفير في احتضان عدد كبير من المبدعين على الصعيد العربي باختلاف الثقافات انه لصرح عظيم اعتز به وافتخر وشكري الخاص لكل الساهرين على نجاح منبر الثقافة والأدب أتمنى لكم المزيد من النجاحات والتألق في خدمة الأدب العربي وأخص بالشكر الكبير للأستاذ القدير مصطفى بوغازي لمنحي فرصة التعبير عن خوالجي الذاتية كان حوار شيق بكل المقاييس شكرا جزيلا وكل التقدير والاحترام.
- نشر بالتنسيق مع موقع “شرق وغرب”.